Fath al-Mun'im: Sharh Sahih Muslim
فتح المنعم شرح صحيح مسلم
Editorial
دار الشروق
Número de edición
الأولى (لدار الشروق)
Año de publicación
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
Géneros
يشعرون بدوي كدوي النحل، كما جاء ذلك في رواية لعمر بن الخطاب ﵁، وفي هذه الحالة لا يراه ﷺ بل يثقل عليه الأمر ويشتد، ويأخذه ما يشبه الحمى، ويتفصد جبينه عرقا في اليوم الشديد البرد، فينفصم الوحي عن النبي ﷺ وقد وعى كل ما قال، وتلك الحالة أشد حالات الوحي وأصعبها.
وأحيانا كان ينزل جبريل ويتراءى للنبي ﷺ في صورته الحقيقية التي خلقه الله عليها، فيسد الأفق، ونزوله بهذه الكيفية قد ندر حتى قيل: لم يره ﷺ بهذه الصورة إلا مرة أو مرتين.
وأحيانا كان يتمثل جبريل بصورة دحية الكلبي الصحابي المشهور بحسن صورته.
وأحيانا كان يتمثل جبريل بصورة رجل غريب.
والحالة التي معنا من نوع نزوله ﵇ في صورة رجل غير معروف، وسبب هذا النزول أن الصحابة كانوا قد أكثروا السؤال، واستشعر ﷺ أن فيهم من يسأل تعنتا، فغضب حتى احمر وجهه، وأنزل الله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم﴾ [المائدة: ١٠١] فانكف الناس عن السؤال، وكانوا يتمنون أن يأتي الرجل من البادية فيسأل فأرسل الله جبريل ﵇ فسأل ليعلموا، ولا يقال: لم لم يسلم جبريل؟ وكيف تخطى الصحابة حتى وصل إلى جوار النبي ﷺ؟ فقد ثبت أنه سلم واستأذن في التخطي والدنو ولكن لم ينقله الرواة في أحاديثنا، فقد جاء في رواية البزار " .... فإنا لجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا، كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط وقال: السلام عليك يا محمد، أأدنو؟ قال: ادنه، فما زال يقول: أأدنو؟ ورسول الله ﷺ يقول: ادنه، حتى وضع يديه على ركبتي رسول الله ﷺ".
والظاهر أن الرسول ﷺ لم يعرف جبريل في الحال، أخذا من قوله "ردوا على الرجل" وقيل: يجوز أن يكون قد عرفه في الحال وأخفى ذلك على الحاضرين، لكن هذا القول ضعيف لما جاء في رواية البخاري من قوله ﷺ "أتاكم يعلمكم دينكم وما أتى في صورة إلا عرفته فيها إلا هذه" وفي رواية: "فوالذي نفسي بيده ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولى".
وظاهر رواية أبي هريرة أن رسول الله ﷺ أوضح للصحابة أن السائل هو جبريل في نفس المجلس بعد أن حاولوا رده فلم يجدوه، ويعارض هذا ما جاء في رواية عمر بن الخطاب عند أبي داود والترمذي من أن الرسول ﷺ قال لعمر: أتدري من السائل؟ قال له ذلك بعد ثلاث ليال من سؤال جبريل، وجمع بينهما بأن عمر لم يحضر قول النبي ﷺ في الحال، بل كان قد قام من المجلس ولم يرجع فأخبر النبي ﷺ الحاضرين في الحال وأخبر عمر ﵁ بعد ثلاث، فإن قيل: إن النبي ﷺ قاطع بأن عمر لا يعلمه فكيف يسأله "أتدري من السائل"؟ أجيب بأنه فعل ذلك ليشتد اشتياق عمر للجواب لأهميته.
1 / 27