29

Fath Mughith

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث

Editor

علي حسين علي

Editorial

مكتبة السنة

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1424 AH

Ubicación del editor

مصر

[تَرَدُّدُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي التَّفْضِيلِ] وَلِكَوْنِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ، تَرَدَّدَ فِي جِهَةِ التَّفْضِيلِ.
وَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كِتَابَ مُسْلِمٍ يَتَرَجَّحُ بِأَنَّهُ لَمْ يُمَازِجْهُ غَيْرُ الصَّحِيحِ، يَعْنِي بِخِلَافِ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ أَوْدَعَ تَرَاجِمَ أَبْوَابِهِ كَثِيرًا مِنْ مَوْقُوفَاتِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمُدَّعَى، أَوْ أَنَّ الْأَرْجَحِيَّةَ مِنْ حَيْثِيَّةِ الصِّحَّةِ فَمَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ.
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ فَلَفْظُهُ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَنْدَهْ الْمَذْكُورِ عَنْهُ: (مَا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ كِتَابٌ أَصَحُّ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ) . وَهُوَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا مُحْتَمِلٌ لِلْمُدَّعَى، أَوْ لِنَفْيِ الْأَصَحِّيَّةِ خَاصَّةً دُونَ الْمُسَاوَاةِ.
فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ فِي شَرْحُ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي: ذَهَبَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَعَانِيَ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ ﷺ: «مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ» مُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو ذَرٍّ أَصْدَقَ الْعَالَمِ أَجْمَعَ.
قَالَ: وَلَيْسَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَفَى أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَعْلَى رُتْبَةً فِي الصِّدْقِ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْفِ أَنْ يَكُونَ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ فِي الصِّدْقِ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، لَقَالَ: أَبُو ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ كُلِّ مَنْ أَقَلَّتْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: فُلَانٌ أَعْلَمُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِفَنِّ كَذَا، لَيْسَ كَقَوْلِهِ: مَا فِي الْبَلَدِ أَعْلَمُ مِنْ فُلَانٍ بِفَنِّ كَذَا ; لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَثْبَتَ لَهُ الَأَعْلَمِيَّةَ، وَفِي الثَّانِي نَفَى أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ

1 / 43