217

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

الْجَوَابُ: أَمَّا عَظْمُ الْمَيْتَةِ، وَقَرْنُهَا وَظُفُرُهَا، وَمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ: كَالْحَافِرِ، وَنَحْوِهِ، وَشَعْرُهَا، وَرِيشُهَا وَوَبَرُهَا: فَفِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: نَجَاسَةُ الْجَمِيعِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَشْهُورِ، وَذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَالثَّانِي: إنَّ الْعِظَامَ وَنَحْوَهَا نَجِسَةٌ، وَالشُّعُورَ وَنَحْوَهَا طَاهِرَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ.
وَالثَّالِثُ: إنَّ الْجَمِيعَ طَاهِرٌ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الطَّهَارَةُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى النَّجَاسَةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ هِيَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، لَيْسَتْ مِنْ الْخَبَائِثِ، فَتَدْخُلُ فِي آيَةِ التَّحْلِيلِ؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْخَبَائِثِ لَا لَفْظًا، وَلَا مَعْنًى أَمَّا اللَّفْظُ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] لَا يَدْخُلُ فِيهَا الشُّعُورُ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ ضِدُّ الْحَيِّ، وَالْحَيَاةُ نَوْعَانِ: حَيَاةُ الْحَيَوَانِ وَحَيَاةُ النَّبَاتِ، فَحَيَاةُ الْحَيَوَانِ خَاصَّتُهَا الْحِسُّ، وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ، وَحَيَاةُ النَّبَاتِ النُّمُوُّ وَالِاغْتِذَاءُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] إنَّمَا هُوَ بِمَا فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ الْحَيَوَانِيَّةُ، دُونَ النَّبَاتِيَّةِ، فَإِنَّ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ إذَا يَبُسَ لَمْ يَنْجُسْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَمُوتُ الْأَرْضُ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ نَجَاسَتَهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا الْمَيْتَةُ الْمُحَرَّمَةُ: مَا كَانَ فِيهَا الْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَإِنَّهُ يَنْمُو، وَيَغْتَذِي، وَيَطُولُ كَالزَّرْعِ، وَالزَّرْعُ لَيْسَ فِيهِ حِسٌّ وَلَا يَتَحَرَّكُ بِإِرَادَةٍ، وَلَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ الْحَيَوَانِيَّةُ حَتَّى يَمُوتَ بِمُفَارَقَتِهَا، وَلَا وَجْهَ لِتَنْجِيسِهِ.
وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ الشَّعْرُ جُزْءًا مِنْ الْحَيَوَانِ، لَمَا أُبِيحَ أَخْذُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَإِنَّ «النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَجُبُّونَ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ، وَأَلْيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ:

1 / 267