144

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

وَعُبَّادُ الْأَوْثَانِ، مَعَ كَثْرَةِ مَنْ فِيهِمْ مِمَّنْ لَهُ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ، وَمُكَاشَفَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا﴾ [الكهف: ١٠٣] ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: ١٠٤]، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا الْحَرُورِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ - تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢]، فَالْأَفَّاكُ هُوَ الْكَذَّابُ، وَالْأَثِيمُ الْفَاجِرُ، كَمَا قَالَ: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق: ١٥] ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦]، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ كَانَ كَاذِبًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، «عَنْ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا قَالَتْ لَهُ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ وَقَدْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ قَلَائِلَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكَ: مَا أَنْتِ بِنَاكِحَةٍ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْك آخِرُ الْأَجَلَيْنِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كَذَبَ أَبُو السَّنَابِلِ بَلْ حَلَلْت فَانْكِحِي» . وَكَذَلِكَ لَمَّا قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ: إنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ عَامِرًا قَتَلَ نَفْسَهُ، وَحَبَطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: " كَذَبَ مَنْ قَالَهَا، إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ "، وَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْكَذِبَ، فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ أُسَيْدَ بْنُ الْحُضَيْرِ، لَكِنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ، كَذَّبَهُ النَّبِيُّ ﷺ. وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، فِيمَا يُفْتُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ: " إنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَهُوَ مِنِّي وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ ". فَإِذَا كَانَ خَطَأُ الْمُجْتَهِدِ الْمَغْفُورُ لَهُ هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَكَيْفَ بِمَنْ تَكَلَّمَ بِلَا اجْتِهَادٍ يُبِيحُ لَهُ الْكَلَامَ فِي الدِّينِ؟ فَهَذَا خَطَؤُهُ أَيْضًا مِنْ الشَّيْطَانِ، مَعَ أَنَّهُ

1 / 191