126

Fatawa Kubra

الفتاوى الكبرى

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

بِالتَّقْوَى النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ»، وَلِهَذَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يَمْدَحُ فِيهَا أَحَدًا بِنَسَبِهِ، وَلَا يَذُمُّ أَحَدًا بِنَسَبِهِ، وَإِنَّمَا يَمْدَحُ الْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى وَيَذُمُّ بِالْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ فِي الصَّحِيحِ، أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي أُمَّتِي لَنْ يَدْعُوهُنَّ، الْفَخْرُ بِالْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالنِّيَاحَةُ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ» . فَجَعَلَ الْفَخْرَ بِالْأَحْسَابِ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ لَا فَخْرَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِكَوْنِ أَجْدَادِهِ لَهُمْ حَسَبٌ شَرِيفٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِكَافِرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَخْرٌ عَلَى كَافِرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِكَوْنِ أَجْدَادِهِ كَانُوا مُؤْمِنِينَ؟ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الدِّينِ فَضِيلَةٌ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْآخَرِينَ فِي الدِّينِ لِأَجْلِ النَّسَبِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِمَنْ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى آبَاؤُهُ مُؤْمِنِينَ مُتَمَسِّكِينَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، عَلَى مَنْ كَانَ أَبُوهُ دَاخِلًا فِيهِ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، وَإِذَا تَمَاثَلَ دِينُهُمَا تَمَاثَلَ حُكْمُهُمَا فِي الدِّينِ. وَالشَّرِيعَةُ إنَّمَا عَلَّقَتْ بِالنَّسَبِ أَحْكَامًا، مِثْلُ كَوْنِ الْخِلَافَةِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَوْنِ ذَوِي الْقُرْبَى لَهُمْ الْخُمُسُ، وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْفَاضِلَ مَظِنَّةُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إذَا فَقِهُوا» . وَالْمَظِنَّةُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِمَا إذَا خَفِيَتْ الْحَقِيقَةُ أَوْ انْتَشَرَتْ، فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ دِينُ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ وَعُرِفَ نَوْعُ دِينِهِ وَقَدْرُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَسَبِهِ الْأَحْكَامُ الدِّينِيَّةُ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِي لَهَبٍ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، لَمَّا عُرِفَ كُفْرُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالذَّمِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا جَعَلَ لِمَنْ يَأْتِي بِفَاحِشَةٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ، كَمَا جَعَلَ لِمَنْ يَقْنُتْ مِنْهُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ أَجْرَيْنِ مِنْ الثَّوَابِ.

1 / 173