Fatawa Kubra
الفتاوى الكبرى
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م
فَجَعَلَهُمْ قِسْمًا غَيْرَهُمْ، فَأَمَّا دُخُولُهُمْ فِي الْمُقَيَّدِ، فَفِي قَوْله تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣١] . فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ. وَسَبَبُ هَذَا: أَنَّ أَصْلَ دِينِهِمْ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ لَيْسَ فِيهِ شِرْكٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] .
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥] . وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦]، وَلَكِنَّهُمْ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا، فَابْتَدَعُوا مِنْ الشِّرْكِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اللَّهُ سُلْطَانًا، فَصَارَ فِيهِمْ شِرْكٌ بِاعْتِبَارِ مَا ابْتَدَعُوا، لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الدِّينِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠] هُوَ تَعْرِيفٌ لِلْكَوَافِرِ الْمَعْرُوفَاتِ اللَّاتِي كُنَّ فِي عِصَمِ الْمُسْلِمِينَ، وَأُولَئِكَ كُنَّ مُشْرِكَاتٍ لَا كِتَابِيَّاتٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَنَحْوِهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا قُدِّرَ أَنَّ لَفْظَ الْمُشْرِكَاتِ وَالْكَوَافِرِ يَعُمُّ الْكِتَابِيَّاتِ، فَآيَةُ الْمَائِدَةِ خَاصَّةٌ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْمُمْتَحِنَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ «الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا» وَالْخَاصُّ الْمُتَأَخِّرُ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ إنَّهُ مُفَسِّرٌ لَهُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ صُورَةَ التَّخْصِيصِ لَمْ تَرِدْ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ، وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ شُرِعَ.
1 / 161