Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Editorial
دار الفكر
من الْكَرَاهَة غير مُرَاد، كَيفَ؟ وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي الْأَذْكَار يحرم أَن يُقَال: إنْ فعلتُ كَذَا فَأَنا يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو بَرِيء من الْإِسْلَام أَو نَحْو ذَلِك، فَإِن قَالَه وَأَرَادَ بِهِ حَقِيقَة تَعْلِيق خُرُوجه من الْإِسْلَام بذلك الْفِعْل صَار كَافِرًا فِي الْحَال، وَجَرت عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين، وَإِن لم يرد ذَلِك لم يكفر، وَلَكِن ارْتكب محرَّمًا فَتجب عَلَيْهِ التَّوْبَة، وَهُوَ أَن يقْلع فِي الْحَال عَن مَعْصِيَته وينْدَم على مَا فعل، ويعزم على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا، ويستغفر الله تَعَالَى وَيَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله انْتَهَت. وَبهَا يتَبَيَّن أَن مَا وَقع للجلال من كَرَاهَة هَذَا إِمَّا سَهْو أَو غلط من النَّاسِخ. فَإِن قلت: الْجلَال إِنَّمَا عبر بقوله: فَهُوَ فمسألتُه غير مَسْأَلَة النَّوَوِيّ لِأَنَّهُ عبر فِيهَا بقوله فَأَنا. قلت: الْمَعْنى وَاحِد فيهمَا وَلَكِن الْجلَال تبع مَا قَالَه غير وَاحِد من الشُّرَّاح من أَن الأولى فِي نَحْو ذَلِك أَن يُؤْتِي بضمير الْغَائِب لَا الْمُتَكَلّم مباعدة من النُّطْق بِهَذَا اللَّفْظ الْقَبِيح مَا أمكن.
وَأما السَّادِسَة: أَعنِي قَوْله لمُسلم يَا كَافِر أَو اللَّهُمَّ اسلبه الْإِيمَان، فالكراهة الَّتِي أوهمها بل صرح بهَا كَلَام الْجلَال ﵀ غير مُرَادة أَيْضا، وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي (الْأَذْكَار) أَيْضا يحرم عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مغلَّظًا أَن يَقُول لمُسلم يَا كَافِر. وروينا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) عَن ابْن عمر ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: (إِذا قَالَ الرجل لِأَخِيهِ يَا كَافِر فَقَدْ بَاء بهَا أحدُهما فإنْ كَانَ كَمَا قَالَ وإلاَّ رَجَعتْ عَلَيْهِ) . وَفِي لفظ لمُسلم (مَنْ دَعَا رجلا بالْكفْر أَو قَالَ يَا عدوّ الله وَلَيْسَ كَذَلِك إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ) . أَي رَجَعَ. وَلَو دَعَا مُسلم على مُسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسلبه الْإِيمَان عصى بذلك، وَهل يكفر هَذَا الدَّاعِي بِمُجَرَّد هَذَا الدُّعَاء؟ فِيهِ وَجْهَان لِأَصْحَابِنَا أصَحهمَا لَا يكفر لقَوْله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن مُوسَى صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وَسلم ﴿وَقَالَ مُوسَىارَبَّنَآ إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأّهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىاأَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىاقُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىايَرَوُاْ الْعَذَابَ الأٌّلِيمَ﴾ [يُونُس: ٨٨] الْآيَة، وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَال نظر، وَإِن قُلْنَا إنَّ شرع منْ قبلنَا شرع لنا انْتَهَت. وَبِه يعلم أَن مَا وَقع للجلال من كَرَاهَة هذَيْن إِمَّا سَهْو، أَو غلط من نَاسخ، نَظِير مَا قَرّرته فِي الرَّابِعَة وَوجه النّظر الَّذِي ذكره أَن محلَّ كَون شرع مَنْ قبلنَا شرعا لنا على القَوْل الضَّعِيف الْقَائِل بذلك، مَا إِذا لم يَرد فِي شَرْعنا مَا يُخَالِفهُ، وقواعد شرعنا طافحة بِتَحْرِيم الدُّعَاء بذلك، وبتسليم أَنه لم يرد فِي شرعنا مَا يُخَالِفهُ، يحْتَمل أَن مُوسَى ﵇ إِنَّمَا دَعَا عَلَيْهِم لِأَن الله أعلمهُ باليأس من أَيْمَانهم فَدَعَا عَلَيْهِم بِزِيَادَة تَشْدِيد الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا بالطمس على الْأَمْوَال، وَفِي الْآخِرَة بالإشداد على الْقُلُوب المستلزم لمزيد العناد وَالْكفْر والتوغل فِيهِ، فَتَأَمّله فَإِنَّهُ مهمّ، وَقد تُوهم عبارَة الْأَذْكَار أَن أَصْحَابنَا لم يَخْتَلِفُوا فِي كُفْر من قَالَ لمُسلم يَا كَافِر، وَلَيْسَ مرَادا، بل الْمُعْتَمد أَنه لَو قَالَ لَهُ ذَلِك لدينِهِ كفر، لِأَنَّهُ سمى الْإِسْلَام كفرا فتفطن لذَلِك، وَبِهَذَا الَّذِي هُوَ مُصَرح بِهِ فِي (الرَّوْضَة) ومختصراتها وَغَيرهَا يزْدَاد التَّعَجُّب مِمَّا وَقع للجلال من كَرَاهَته، وَتَأْويل عِبَارَته بِمَا يُوَافق ذَلِك بعيدٌ جدا، إذْ فِي سوابقها ولواحقها مَا يُبطل هَذَا التَّأْوِيل بِأَدْنَى تَأمل. وَأما السَّابِعَة: أَعنِي كَرَاهَة تَسْمِيَة الإِمَام خَليفَة الله فَهُوَ مَأْخُوذ من قَول النَّوَوِيّ ﵁ فِي (الْأَذْكَار): يَنْبَغِي أَن لَا يُقَال للقائم بِأَمْر الْمُسلمين خَليفَة الله بل الْخَلِيفَة وَخَلِيفَة رَسُول الله ﷺ وأمير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ نقل عَن الْبَغَوِيّ أَنه لَا بَأْس بتسميته بالخليفة وأمير الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ مُخَالفا لسيرة أَئِمَّة الْعدْل لقِيَامه بِأَمْر الْمُؤمنِينَ، وسمى خَليفَة لِأَنَّهُ خلف الْمَاضِي قَبْله وَقَامَ مقَامه، وَأَنه لَا يُسَمِّي أحد خَليفَة الله بعد آدم وَدَاوُد على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَ رجل لأبي بكر: يَا خَليفَة الله، فَقَالَ: أَنا خَليفَة رَسُول الله ﷺ، وَأَنا رَاض بذلك. وَقَالَهُ آخر لعمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: وَيلك لقد تناولت متناولًا بَعيدا، ثمَّ أَشَارَ إِلَى أَنه يَكْفِي تسميتهم لَهُ بأمير الْمُؤمنِينَ. وَنقل عَن الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة للماوردي أَن الإِمَام يُسَمِّي خَليفَة لِأَنَّهُ خلف رَسُول الله ﷺ فِي أمته فَجَاز أَن يُقَال الْخَلِيفَة على الْإِطْلَاق وَخَلِيفَة رَسُول الله ﷺ. قَالَ: وَاخْتلفُوا فِي قَوْلنَا خَليفَة الله فجوزه بَعضهم لقِيَامه بحقوقه فِي خلقه لقَوْله تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِى الأٌّرْضِ﴾ [فاطر: ٣٩] وَامْتنع جُمْهُور الْعلمَاء من ذَلِك ونسبوا قَائِله إِلَى الْفُجُور هَذَا كَلَام الْمَاوَرْدِيّ انْتهى كَلَامه فِي (الْأَذْكَار) . وَظَاهر كَلَام الْمَاوَرْدِيّ أَن تَسْمِيَة خَليفَة الله مُحرمَة وَإِن كَانَ عادلًا لِأَن قَوْله وَامْتنع جُمْهُور الْعلمَاء من ذَلِك، أيْ الْجَوَاز الَّذِي جعله مَحل الْخلاف، ونَقْله عَنْهُم أَنهم ينسبون الْقَائِل بِالْجَوَازِ إِلَى الْفُجُور ظَاهر، بل صَرِيح فِي أَن الْجُمْهُور على التَّحْرِيم، إذْ لَو كَانُوا موافقين على الْجَوَاز، وَإِنَّمَا اخْتلَافهمْ فِي الْكَرَاهَة؛ لم يسعْهُم نسبةُ الْقَائِل بعدمها إِلَى الْفُجُور فنسبتهم إِيَّاه إِلَى ذَلِك تدل على أَن خلافهم إِنَّمَا هُوَ فِي التَّحْرِيم، وأنَّ إِبَاحَته
1 / 99