Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Editorial
دار الفكر
مُجَرّد الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ من غير إبِْطَال، نعم يرد على الْفَقِير شَيْء آخر، وَهُوَ أَنهم قرروا أَن الدَّعْوَى لَا تمنع، فَحَيْثُ اقْتصر مدعى الْبطلَان على الدَّعْوَى من غير اسْتِدْلَال لم يجز الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ. وَالْجَوَاب أَن ذَلِك جَائِز، وَإِن كَانَ تَسْمِيَته منعا مجَازًا، وَالْمَقْصُود طلب الدَّلِيل كَمَا صَرَّحُوا بذلك أَيْضا. قَالَ الْعَضُد فِي مقدمته فِي ذَلِك: وَلَا يمْنَع النَّقْل إِلَّا مجَازًا، قَالَ فِي قَوْله: وَالْمُدَّعى إِلَّا مجَازًا: أَي لَا يمْنَع الْمُدَّعِي أَيْضا؛ ثمَّ قَالَ: لَكِن جَوَاز منع الْمُدَّعِي مجَازًا، على طَرِيق إِطْلَاق الْكل أَعنِي طلب الدَّلِيل على مقدمته، وَإِرَادَة الْجُزْء، أَعنِي طلب الدَّلِيل خَال عَن التعسف الَّذِي قُلْنَا فِي النَّقْل انْتهى. وَمِنْهَا: قَول مَوْلَانَا: فَكل مِنْكُمَا مُدَّع على أَن التَّأَخُّر مَعَ الِاسْتِدْلَال فِيهِ غصب للمنصب كَمَا لَا يخفى، وَوجه الْإِشْكَال أَنه ظهر أَن الْفَقِير مَانع لَا مُدع، وَأَن مدعى الْبطلَان مَا لم يسْتَدلّ عَلَيْهِ لَا يكون مستدلًا، فَلَا يكون منصب الِاسْتِدْلَال لَهُ حَتَّى يكون اسْتِدْلَال مدعي الصِّحَّة لَو فرض أَنه مستدل غصبا للمنصب، كَيفَ وَالْغَصْب هُوَ منع مُقَدّمَة من مُقَدمَات الدَّلِيل مَعَ الِاسْتِدْلَال على انْتِفَاء تِلْكَ الْمُقدمَة الممنوعة، وَذَلِكَ غير مَوْجُود هَهُنَا، على أَنه كَمَا عُلِم لَيْسَ مَا أوردهُ الْفَقِير دَلِيلا بل سندًا للْمَنْع، وَلم يقل أحد إِن الْمَنْع مَعَ السَّنَد غصب فَلَا غصب أَيْضا على فرض أَن الْمُدَّعِي الْبطلَان مستدل، وَبِهَذَا يظْهر وَجه إِشْكَال قَول مَوْلَانَا فنتج إِلَخ. وَمِنْهَا: قَوْله: وَمثل هَذِه المباحث لَا يعْتَبر فِيهَا ذَلِك اصْطِلَاح إِلَخ، وَالَّذِي عِنْد الْفَقِير أَن الْمَشَايِخ الْأَئِمَّة الجامعين بَين الْمَنْقُول والمعقول حَتَّى فِي اعْتِقَاد مَوْلَانَا يُقدِّرون عمومها ويستعملونها فِي مثل هَذِه المباحث وَهُوَ الْمَفْهُوم من كتب ذَلِك الْفَنّ أَيْضا والتخصيص يحْتَاج لدَلِيل وَاضح. وَمِنْهَا: قَول مَوْلَانَا: وَلَو سمعنَا فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة إِلَخ، وَوجه إشكاله أَن اسْتِعْمَال ذَلِك الإصطلاح وَاقع فِي كتب الْفِقْه وَغَيرهَا، فكم فِي (الْمحلى) وَكتب شيخ الْإِسْلَام وَنَحْوهَا من قَوْله. وَأجِيب بِالْمَنْعِ وَجَوَابه الْمَنْع وَنَحْو ذَلِك، وَكم فِي أجوبتهم عَن اعتراضات البُلْقِينِيّ وَغَيره على الشَّيْخَيْنِ بالنصوص من مثل ذَلِك فَيَقُولُونَ لَا نسلم أَن مُرَاد الشَّافِعِي ﵁ كَذَا، لم لَا يجوز أَن يكون مُرَاده كَذَا إِلَى غير ذَلِك، على أَن مَا نَحن فِيهِ لَيْسَ أمرا شَرْعِيًّا، فَإِن النزاع فِي صِحَة الْفَاء وَعدمهَا وَهَذَا لَيْسَ أمرا شَرْعِيًّا، وَلَا يخْتَلف الحكم الشَّرْعِيّ بذلك فَإِن إِحْسَان الذّبْح والتحديد والإراحة أُمُور مَطْلُوبَة مُتَحَقق طلبَهَا سَوَاء صحت الْفَاء أم لَا، وَسَوَاء ثَبت الْعُمُوم وَالْخُصُوص أَو التباين. وَمِنْهَا: قَوْله: ثمَّ قَوْلك لم لَا يجوز وُجُوه أُخْرَى إِلَخ يُقَال عَلَيْهِ إِنَّمَا يحْتَاج لتكلف تِلْكَ الْأُمُور إِلَخ، وَوجه إشكاله أَن الْفَقِير لم يدع الِاحْتِيَاج لذَلِك بل مُجَرّد الصِّحَّة وَالصِّحَّة لَا تتَوَقَّف على صِحَة رِوَايَة الْفَاء، وَفرق بَين دَعْوَى الِاحْتِيَاج وَدَعوى مُجَرّد الصِّحَّة، وَأَن نِسْبَة هَذِه الْأُمُور إِلَى تكلّف تحْتَاج لدَلِيل وَاضح مَعَ أَن هَذَا الْكَلَام يتَضَمَّن الِاعْتِرَاف بِالصِّحَّةِ مَعَ التَّكَلُّف وَهُوَ بعض الْمَطْلُوب فَإِن الصِّحَّة من الْمَطْلُوب. وَمِنْهَا: قَوْله: أما تَجْوِيز وُرُودهَا إِلَى آخِره، وَوجه إشكاله أَن الْفَقِير لم يدع الِاحْتِيَاج إِلَى تَجْوِيز الْوُرُود حَتَّى يُقَال فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ أَن مُجَرّد التجويز لَا يُمكن إِبْطَاله فَإِنَّهُ لم يقم برهَان على عدم الْوُرُود بل الْأَمر على الِاحْتِمَال، وَأَن نِسْبَة ذَلِك إِلَى التمحل تحْتَاج إِلَى الدَّلِيل الْوَاضِح على اثبات كَونه تمحلًا. وَمِنْهَا: قَوْله: والمنازعة فِي شَيْء إِلَخ، وَوجه إشكاله أَن مدعى الْبطلَان المستفتي أَحْرَى بِأَن يُقَال لَهُ ذَلِك. وَمِنْهَا: قَوْله: على أَنه يلْزم من ذَلِك التجويز إِلَخ، وَجه إشكاله أمَّا أَولا، فَهُوَ أَنه لَيْسَ اللَّازِم أَنه لَا يتَحَقَّق لنا عطف خَاص على عَام مُطلقًا، بل أَنه لَا يتَحَقَّق لنا عطف خَاص على عَام لَا يُمكن تَأْوِيله بِمَا يُخْرِجه عَن كَونه عطف خَاص على عَام، وحينئذٍ فَنَقُول: لَا مَحْذُور فِي هَذَا اللَّازِم، فَإِن لذَلِك نَظَائِر فِي كَلَامهم. مِنْهَا: أَنهم قرروا أَنه لَا يجوز عطف الْإِنْشَاء على الْإِخْبَار، وَلما اعْترض على قَوْله: (وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل) بِأَنَّهُ من عطف الْإِنْشَاء على الْإِخْبَار، أجابوا بأجوبة كَثِيرَة جدا تجْرِي كلهَا أَو بَعْضهَا فِي سَائِر الْمَوَاضِع، وَلم يمنعهُم من الْجَواب بهَا لُزُوم مَا ذكر من تِلْكَ الْأَجْوِبَة أَن قَوْله: ﴿وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمرَان: ١٧٣] بِتَقْدِير وَهُوَ مقول فِيهِ نعم الْوَكِيل فَهُوَ عطف إِخْبَار على إِخْبَار. وَمِنْهَا: قَوْله: (وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل) لإنشاء إِظْهَار الْكِفَايَة فَهُوَ عطف إنْشَاء على إنْشَاء. وَمِنْهَا: أَن وَاو وَنعم الْوَكِيل للاستئناف. وَمِنْهَا: أَنه للاعتراض، وَمِنْهَا: غير ذَلِك. وَأما ثَانِيًا فَهُوَ أَن هَذَا اللُّزُوم مَمْنُوع، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَام أهل الشَّرْع نَص على أَن حَقِيقَة معنى الْإِحْسَان فِي الحَدِيث هُوَ نفس تِلْكَ الْأُمُور، بل عبارتهم مُحْتَملَة لِأَن تكون عبارَة عَن نفس الْأُمُور، وَلِأَن تكون
1 / 71