101

Fatawa Hadithiyya

الفتاوى الحديثية

Editorial

دار الفكر

وَجمع بَيْنكُمَا فِي خير، وللاتباع كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة روى الشَّيْخَانِ أَنه ﷺ قَالَ لعبد الرَّحِمان بن عَوْف حِين تزوج (بَارك الله لَك) وَصَحَّ أَنه ﷺ قَالَه لجَابِر. وَأما السَّادِسَة عشرَة: فَنقل الْكَرَاهَة فِيهَا فِي (الْأَذْكَار) فَقَالَ: روى النّحاس عَن أبي بكر مُحَمَّد بن يحيى وَكَانَ أحد الْعلمَاء الْفُقَهَاء الأدباء: يُكره أَن يُقَال لأحد عِنْد الْغَضَب اذْكر الله تَعَالَى خوفًا من أَن يحملهُ الْغَضَب على الْكفْر. قَالَ: وَكَذَا لَا يُقَال لَهُ صَلِّ على مُحَمَّد ﷺ خوفًا من هَذَا انْتهى. وَاسْتَشْكَلَهُ الْجلَال بِمَا فِي الصَّحِيح (أَنه لما استبّ رجلَانِ عِنْده ﷺ أَمر أَن يُقَال لَهُ تعوّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم) . وَيُجَاب بِأَن هَذَا لَيْسَ مثل ذَاك لِأَن ذَاك فِيهِ الِاقْتِصَار على اسْم الله فَرُبمَا حَملته قُوَّة الْغَضَب على فرطه لذَلِك الإسم عِنْد سَمَاعه لَهُ وَحده، وَأما هَذَا فَفِيهِ ذكر الشَّيْطَان أَيْضا، فحينئذٍ إنْ صدرت بادرةٌ تكون للشَّيْطَان إذْ ينْصَرف لَهُ، فَلَا يخْشَى حينئذٍ كُفْر، على أَن فِي سَمَاعه لذكر الشَّيْطَان أكبر زاجر لَهُ، وأبلغ إرشاد إِلَى أنَّ مَا حصل لَهُ من ذَلِك الْغَضَب إِنَّمَا هُوَ بِوَاسِطَة الشَّيْطَان، فاتضح فرقان مَا بَين الصُّورَتَيْنِ، وَأَن إِحْدَاهمَا لَا تشكل على الْأُخْرَى، بل يُسْتَفَاد من الحَدِيث أَن السّنة تذكير الغضبان بِأَن غَضَبه الْمخْرج لَهُ غَالِبا عَن حيِّز الْعُقَلَاء إِنَّمَا هُوَ من عدوِّه اللعين ليحمله على الْخُرُوج عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، ومَنْ لَهُ أدنى مسكة إِذا سمع ذَلِك رَجَعَ إِلَى الِاعْتِدَال خوفًا من الْعقَاب والنكال. وَأما السَّابِعَة عشرَة: فَمَا ذكره فِيهَا الْجلَال من الْكَرَاهَة بإطلاقها لم يُصَرح بِهِ النَّوَوِيّ فِي (الْأَذْكَار)، بل الَّذِي دلّت عَلَيْهِ عِبَارَته، أَنَّهَا إِمَّا كُفْر أَو حرَام أَو مُبَاحَة، وَعبارَته أنَّ مِنْ أقْبح الْأَلْفَاظ المذمومة مَا يعتاده كثير من النَّاس إِذا أَرَادَ أَن يحلف على شَيْء وَاحِد فيتورع عَن قَوْله وَالله كَرَاهَة الْحِنْث، أَو إجلالًا لله تَعَالَى أَو صونا عَن الْحلف، ثمَّ يَقُول: الله يعلم مَا كَانَ هُوَ كَذَا، وَلَقَد كَانَ كَذَا، وَنَحْوه فَهَذِهِ الْعبارَة فِيهَا خَطَر، فإنْ كَانَ صَاحبهَا متيقنًا أَن الْأَمر كَمَا قَالَ، فَلَا بَأْس بهَا، وإنْ شكَّ فِي ذَلِك فَهُوَ من أقبح القبائح لِأَنَّهُ تعرض للكذب على الله تَعَالَى، فَإِنَّهُ أخبر أَن الله تَعَالَى يعلم شَيْئا لَا يتَيَقَّن كَيفَ هُوَ، وَفِيه دقيقة أُخْرَى أقْبَح من هَذَا وَهُوَ أَنه تعرض لوصفه تَعَالَى بِأَنَّهُ يعلم الْأَمر على خلاف مَا هُوَ، وَذَلِكَ لَو تحقق كَانَ كفرا، وَيَنْبَغِي للْإنْسَان اجْتِنَاب هَذِه الْأَلْفَاظ والعبارات انْتَهَت عبارَة (الْأَذْكَار)، وَبهَا يعلم مَا ذكرتُه من أَنَّهَا تكون كفرا، وَذَلِكَ إِذا تَيَقّن الْكَذِب وَنسبه إِلَى علم الله بِأَن قَالَ: الله يعلم أَنِّي مَا فعلت كَذَا، وَهُوَ عَالم بِأَنَّهُ فعله، وَهَذَا كفر، كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ هُنَا، وسبفه إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ فَصرحَ فِي الْعَزِيز بالألفاظ الَّتِي ذكرهَا فِيهِ بالعجمية فِي بَاب الرِّدَّة، بِأَن ذَلِك كفر، لِأَنَّهُ نسب الله تَعَالَى إِلَى الْجَهْل بنسبته إِلَيْهِ الْعلم على خلاف مَا فِي الْوَاقِع، وَذَلِكَ من أقبح الْكفْر وَالْجهل بِاللَّه أعاذنا الله من ذَلِك. وَتَكون مُبَاحَة، وَذَلِكَ إِذا نسب إِلَى علم الله مَا هُوَ مُطَابق للْوَاقِع يَقِينا، كَأَن علم وُقُوع فعله لأمر فَقَالَ: الله يعلم أَنِّي فعلته، فَهَذَا لَا مَحْذُور فِيهِ بِوَجْه فَيكون مُبَاحا مُسْتَحبا إِذا عَلِم مِنْ مُنْكرِ فِعْله أنْ لايصدقه فِي يَمِينه لَو حلف، لإيهامه بتورية أَو غَيرهَا، ويصدقه إِذا قَالَ: الله يعلم أَنِّي فعلته، وأخذتُ الِاسْتِحْبَاب فِي هَذَا من قَوْلهم: تسْتَحب الْيَمين فِي نَحْو ذَلِك، وَبقيت الْحَالة الثَّالِثَة وَهِي مَا إِذا شكّ فِي وُقُوع أَمر، كَفِعْلِهِ لشَيْء وَعدم وُقُوعه، فَقَالَ وَهُوَ شَاك: الله يعلم أَنِّي فعلته، وَالَّذِي دلّت عَلَيْهِ عبارَة النَّوَوِيّ فِي هَذِه الْحَالة أَن ذَلِك حرَام، لِأَنَّهُ جعله من أقبح الْأَلْفَاظ المذمومة تَارَة، وَمن أقبح القبائح أُخْرَى، وَجعل فِيهِ خطرًا؛ وَذَلِكَ الْخطر هُوَ الْكفْر وَالْكذب على الله تَعَالَى بِتَقْدِير عدم الصدْق، وَهَذَا كُله ظَاهر فِي حُرْمَة هَذَا اللَّفْظ فِي هَذِه الْحَالة، إذْ لَا يُقَال فِي الْمَكْرُوه إِنَّه من أقبح القبائح وَلَا من أقبح المذمومات إِلَّا على تجوّز بعيد، وَيبعد فِي الْمَكْرُوه أَن يكون فِيهِ خطر الْكفْر أَو الْكَذِب بِمَعْنى أَنه يحْتَملهُ وغيرَه على السوَاء، وَإِذا تقرر ذَلِك ظهر واتضح أَن جزم الْجلَال بِالْكَرَاهَةِ فِي هَذَا مِمَّا لَيْسَ فِي مَحَله نظرا للحالتين الأولتين وَهُوَ ظَاهر، وَكَذَا بِالنّظرِ للحالة الثَّالِثَة لما ذكرته فِيهَا فَتَأمل ذَلِك فَإِنَّهُ مهمّ. وَأما الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة: فدليلها خبر (الصَّحِيحَيْنِ) (لَا يَقُولَن أحدكُم اللَّهُمَّ اغْفِر لي إنْ شِئْت وليعزم الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ لَا مكره لَهُ) وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (ولكنْ لِيعزم المسألةَ وليعظم الرَغْبَة فَإِن الله لَا يتعاظمه شَيْء أعطَاهُ) . وَأما التَّاسِعَة عشرَة: فَهِيَ كَذَلِك فِي (الْأَذْكَار) . وَحَاصِل عِبَارَته: يكره الْحلف بِغَيْر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته كالنبي ﷺ وَالْمَلَائِكَة والكعبة والحياة، وَكَذَا الْأَمَانَة بل هِيَ من أَشدّهَا كَرَاهَة. روى الشَّيْخَانِ أَنه ﷺ قَالَ: (إنَّ الله تَعَالَى يَنْهَاكُم أنْ تَحلِفوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه أَو ليصمتْ) .

1 / 102