Fatawa Nisa

فتاوى النساء

Editorial

دار الكتب العلمية

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1424 AH

Ubicación del editor

بيروت

فتاوى النساء

لشيخ الإسلام

أحمد بن عبد الحليم بن تيمية

المتوفى سنة ٧٢٨ هـ

تحقيق

الشيخ علي أحمد عبد العال الطهطاوي

رئيس جمعية أهل القرآن والسنة

منشورات

محمد علي بيضون

لنشر كتب السنة والجماعة

دار الكتب العلمية

بيروت - لبنان

1

منشوراتْ حَّد علي بيضوت

دار الكتب العلمية

جميع الحقوق محفوظة

Copyright

All rights reserved
Tous droits réservés

جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان. ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملاً أو مجزأً أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على اسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطياً

Exclusive rights by

Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Beirut - Lebanon

No part of this publication may be translated, reproduced, distributed in any form or by any means, or stored in a data base or retrieval system, without the prior written permission of the publisher.

Droits exclusifs à

Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Beyrouth - Liban

Il est interdit à toute personne individuelle ou morale d'éditer, de traduire, de photocopier, d'enregistrer sur cassette, disquette, C.D, ordinateur toute production écrite, entière ou partielle, sans l'autorisation signée de l'éditeur.

الطبعة الأولى

٢٠٠٣ م- ١٤٢٤ هـ

دار الكتب العلمية

بَيْرُوت - لبْنَان

رمل الظريف - شارع البحتري - بناية ملكارت الإدارة العامة: عرمون - القبة - مبنى دار الكتب العلمية هاتف وفاكس: ٨٠٤٨١٠/١١/١٢/١٣ (٩٦١٥+) صندوق بريد: ٩٤٢٤ - ١١ بيروت - لبنان

Dar Al-Kotob Al-ilmiyah

Beirut - Lebanon

Raml Al-Zarif, Bohtory Str., Melkart Bldg. 1st Floor

Head office

Aramoun - Dar Al-Kotob Al-ilmiyah Bldg.

Tel & Fax: (+961 5) 804810 / 11 / 12 / 13
P.O.Box: 11-9424 Beirut - Lebanon

Dar Al-Kutub Al-ilmiyah

Beyrouth - Liban

Raml Al-Zarif, Rue Bohtory, Imm. Melkart, 1er Étage

Administration général

Aramoun - Imm. Dar Al-Kotob Al-ilmiyah

Tel & Fax: (+961 5) 804810 / 11 / 12 / 13
P.P: 11-9424 Beyrouth - Liban

ISBN 2-7451-3718-2

5

فَتَاوَى النِّسَاء

3

-

4

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ [آل عمران: ١٠٢].

﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا﴾ [النساء: ١].

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠-٧١].

أما بعد:

أقدم لك عزيزي القارئ كتابنا [فتاوى النساء] لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقد قدمت له بمقدمة عن الفتوى في القرآن الكريم وتمهيد عن وضع المرأة في نظر الإسلام ونصائح للأخت المسلمة.

اقرأ وتدبر ولله الحمد والمنة.

الشيخ

علي أحمد عبد العال الطهطاوي

رئيس أهل القرآن والسنة

5

ترجمة شيخ الإسلام

اسمه ونسبه: هو شيخ الإسلام الإمام: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن تيمية الحراني، ثم الدمشقي كنيته: أبو العباس.

مولده ونشأته: ولد رحمه الله بحران يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، قدم به والده وبأخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين، وكان ابن سبع سنين، وقد نشأ رحمه الله في بيت علم وفقه ودين، فأبوه وأجداده وأعمامه كانوا من العلماء المشاهير، منهم جده الأعلى محمد بن خضر، وجده الأدنى عبد السلام بن عبد الله بن تيمية مجد الدين أبو البركات. صاحب كتاب منتقى الأخبار والمحرر في الفقه وغيرهما من المصنفات الكثيرة، ففي هذه البيئة نشأ شيخ الإسلام، محبًا للعلم ومجالسة أهله، فأخذ العلم وهو صغير على أبيه، ثم على علماء دمشق، فحفظ القرآن، ودرس الحديث والفقه والأصول والتفسير، ولما قدم دمشق درس على كبار علمائها؛ فسمع الشيخ ابن عبد الدائم وغيره من العلماء، وعُني بالحديث، فسمع ((المسند)) عدة مرات، والكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، وما لا يحصى من الكتب والأجزاء، وقرأ بنفسه، وقرأ في العربية ودرس كتاب سيبويه فتأمله وفهمه، وأقبل على التفسير فبرز فيه، وأحكام أصول الفقه والفرائض والحساب والجبر، ونظر في علم الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله، ورد على رؤسائهم وأكابرهم، وتأهل للفتوى والتدريس وهو دون العشرين سنة.

قال عنه ابن الزملكاني: ((كان إذا سئل عن فن ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرفه مثله)).

جهاده ودفاعه عن الإسلام: بالرغم من اشتهار شيخ الإسلام بالعلم والفقه والاستنباط، فلا تجد طالب علم إلا وهو قرأ كتب شيخ الإسلام

6

واستفاد منها الكثير، إلا أنه يخفى على كثير منهم مواقف شيخ الإسلام في نصرة الإسلام وعزة المسلمين، فمن ذلك: جهاده بالسيف وتحريضه المسلمين على القتال بالقول والعمل؛ فقد كان يجول بسيفه في ساحات القتال، مع أعظم الفرسان الشجعان، والذين شاهدوه في القتال أثناء فتح عكا عجبوا من شجاعته وفتكه بالعدو.

أما جهاده -رحمه الله- مع أهل البدع والأهواء وأصحاب الملل والنحل والفرق والمذاهب الباطلة، فقد جاهدهم بالقلم واللسان، وتصدى لهم بالمناظرات حينًا، وبالردود أحيانًا أخرى، حتى فند شبهاتهم، ورد الكثير من كيدهم، فقد تصدى -رحمه الله- للفلاسفة والباطنية من صوفية، وإسماعيلية، ونصيرية، كما تصدى للروافض والملاحدة، ووقف أمام أهل القبور والقباب؛ ففند شبهاتهم، وبين عوارهم وقلة فقههم في دين الله عز وجل، كما فند شبهات الجهمية والأشاعرة والمتكلمين.

والمطلع على هذا الجانب من حياة الشيخ -رحمه الله- يكاد يجزم أن الشيخ لم يبق له من وقته فضلة؛ لكن الله عز وجل قد أمده بكثرة الكتب، وسرعة الحفظ، وقوة الإدراك والفهم، وبطء النسيان، فكان لا ينسى شيئًا حفظه، فتجد مؤلفاته تسير بها الركبان، ويتمتع بها طلاب العلم، فضلاً عن العلماء.

وبسبب تصدي شيخ الإسلام لأهل الأهواء، والضلالات، حورب، وطورد وأوذي، وسجن في سبيل الله، حتى أتاه اليقين، كما سيأتي معنا إن شاء الله.

عصره: عاش شيخ الإسلام في عصر مليء بالبدع والضلالات؛ فاستفحلت الشبهات وانتشر الجهل والتعصب والتقليد الأعمى، فضلاً عن غزو بلاد المسلمين من قبل التتار.

7

فنجد كتب شيخ الإسلام شاهدة على كثرة البدع في عصره، فالمتأمل في كتب الشيخ -رحمه الله- يجدها صورة حية لهذا العصر، فتجد في هذه الكتب ما يلي:

  1. الرد على أهل القبور والشركيات، وتفنيد شبهاتهم، وبيان جهلهم، وتقليدهم الأعمى.

  2. الحد من انتشار الفلسفات والإلحاد والجدل.

  3. مقاومة توغل الروافض في أمور المسلمين، ونشرهم البدع، ومساعدة التتار على المسلمين.

  4. تقوي أهل السنة والجماعة بالشيخ، وحفزه لعزائمهم، والتصدي للبدع والمنكرات والضلالات.

ثناء العلماء عليه: أثنى على الشيخ كثير من علماء عصره وبعد عصره بعصور؛ لكثرة الاستفادة من كتبه، وآرائه واجتهاداته، رحمه الله.

قال ابن الزملكاني: اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة، والترتيب، والتقسيم، والتدين، وكتب على تصنيف له هذه الأبيات:

ماذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر

هو حجة الله باهرة هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للخلق ظاهرة أنوارها أربت على الفجر

وقال أبو حيان النحوي يصف شيخ الإسلام لما دخل مصر بأبيات فقال:

لما رأينا تقي الدين لاح لنا داع إلى الله فردًا ما له وزر

على محياه من سيما الألى خير البرية نور دونه القمر

حبر تسربل منه دهره حبرًا بحر تقاذف من أمواجه الدرر

8

قام ابن تيمية في نصر شرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضر

فأظهر الدين إذ آثاره درست وأخمد الشرك إذ طارت له الشرر

يا من تحدث عن علم الكتاب هذا الإمام الذي قد كان ينتظر

وقال الشيخ ابن دقيق العيد وقد سئل عن الشيخ: كيف رأيته؟ فقال: رأيت رجلاً سائر العلوم بين عينيه، يأخذ ما شاء منها، ويترك ما شاء، فقيل: فلم لا تتناظر!؟ قال: لأنه يحب الكلام، وأحب السكوت.

وقال الشيخ عماد الدين الواسطي: فوالله، ثم والله، ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية، علمًا وعملاً، وحالاً وخلقًا، واتباعًا وكرمًا، وحلمًا، وقيامًا في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقدًا، وأصحهم علمًا، وعزمًا، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة، وأسخاهم كفًا، وأكملهم اتباعًا لنبيه محمد ﷺ، ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية، وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقة.

وفاته: قال أحمد بن حنبل: ((وقولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز)) أي أن أهل السنة يفقدهم الناس إذا ماتوا ويكونون أكثر مشيعين يوم يموتون، لذلك فقد شوهد في جنازتي الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام من كثرة مشيعيهما ما لم ير مثله.

قال ابن رجب: مكث الشيخ معتقلاً في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين، إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين، ثم مرض بضعة وعشرين يومًا، ولم يعلم الناس بمرضه، حتى فجأهم موته، وكانت وفاته في سحر ليلة الاثنين عشرين ذي القعدة سنة ٧٢٨ هـ، أخرج الشيخ إلى جامع دمشق بعد تغسيله وصلوا عليه، وكان يومًا مشهودًا لم يعهد بدمشق مثله، وصرخ صارخ: هكذا تكون

9

جنائز أئمة السنة؛ فبكى الناس بكاء شديدًا، وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف من الرجال، ومن النساء بخمسة عشر ألفًا رحمه الله(١).

(١) مصادر ترجمته:

ذيل العبر (ص١٥٧ - ١٥٨)، دول الإسلام (٢٣٧/٢)، والإعلام بوفيات الأعلام (ص٣٠٨)، شذرات الذهب (٨٠/٦-٨٦)، ذيل طبقات الحنابلة (ص٣٨٧ - ٤٠٨)، المقصد الأرشد (٢١/١ -١٤٠) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي، مقدمة اقتضاء الصراط المستقيم، البداية والنهاية لابن كثير (١٤١/١٤-١٤٥)، طبقات المفسرين، الداودي (٤٦/١-١٤٩٧)، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر (١٥٤/١- ١٧٠)، وهناك كتب كاملة مؤلفة في ابن تيمية والثناء عليه لم نذكرها لكثرتها.

10

مقدمة

الفتوى في القرآن(١)

قال الله تعالى: ﴿وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم﴾(٢).

بين الله في كتابه الكريم لعباده المؤمنين الأحكام التي علم أن بها سعادتهم في الدنيا والآخرة، وصلاحهم أفرادًا وجماعات. وكان للقرآن في بيان تلك الأحكام طريقان:

الطريق الذي لم يسبق بسؤال:

أحدهما :- وهو الأصل والكثير الغالب-توجيه الأوامر والنواهي إلى المؤمنين توجيهًا مبتدأ غير مسبوق بسؤال سائل، وهو في ذلك الطريق مرة يناديهم أولاً بوصف الإيمان، فيهيئهم للاستماع، ويحفزهم إلى العمل والامتثال، ويرشدهم إلى أن تلك الأحكام من مقتضيات الإيمان ومن عهده وميثاقه ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى﴾(٣).

﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام﴾(٤). ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى کالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر﴾(٥). ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه﴾(٦).

(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت.

(٢) التوبة: ١١٥

(٣) البقرة: ١٧٨.

(٤) البقرة: ١٨٣.

(٥) البقرة: ٢٦٤.

(٦) البقرة: ٢٨٢.

11

وهكذا إلى آخر الآيات الأحكامية التي مهد فيها بالنداء للمؤمنين.

وقد يقع التمهيد بنداء النبي ﷺ ويكون الحكم للجميع ومنه:

﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء﴾(١). ﴿يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا﴾(٢).

ومرة يذكر الحكم أمرًا ونهيًا مجردًا عن النداء المذكور: ﴿ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس، والله سميع عليم﴾(٣). ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم﴾(٤).

﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحًا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم﴾(٥). ﴿الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾(٦).
﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف﴾(٧).

وهكذا إلى آخر ما في القرآن من الآيات الأحكامية التي لم يمهد فيها

(١) أول سورة الطلاق.

(٢) الأحزاب: ٥٩.

(٣) البقرة: ٢٢٤.

(٤) البقرة: ٢٢٥.

(٥) البقرة: ٢٢٨.

(٦) البقرة: ٢٢٩.

(٧) البقرة: ٢٣٣.

12

بنداء المؤمنين، وهذا الطريق بنوعيه: المسبوق بالنداء، وغير المسبوق به هو الأصل في بيان كل تشريع يراد إعلام الناس به وأن يسيروا عليه.

الطريق المسبوق بالسؤال:

أما الطريق الثاني فهو البيان المسبوق في القرآن بسؤال سائل.

وهذا يكون بيانًا لشأن لم يسبق فيه بيان واحتاج الناس إلى معرفة حكم الله فيه فسألوا عنه. أو بيانًا لشأن نزل فيه بيان من قبل ولكن اتصلت به عند الناس جهات واعتبارات جعلتهم في حاجة إلى توضيحه، فسألوا طلبًا للتوضيح والكشف.

وقد سجل القرآن جملة الأسئلة الموجهة إلى الرسول ﷺ وذكر معها أجوبتها.

وجاء من هذه الأسئلة في سورة البقرة ما يأتي:

أولاً: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ وسأل: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزل قوله تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان﴾(١). وقد أخذ العلماء من هذا أنه لا ينبغي رفع الصوت في العبادة والدعاء إلا بالمقدار الذي لا يخل بالخشوع، ولا يحدث رجة في نفوس السامعين.

ثانيًّا: ورد أنهم سألوا عن الهلال يبدو في أول الشهر دقيقًا مثل الخيط ثم يعظم حتى يستوي ويستدير، ثم يعود كما كان، فنزل قوله تعالى: ﴿يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج﴾(٢). وقد عدل بهم عن الجانب الذي يسألون عنه وهو سبب هذه الظاهرة إلى الجانب الذي ينفعهم في

(١) البقرة: ١٨٦.
(٢) البقرة: ١٨٩.

13

حياتهم وهو أنهم يوقتون بها عباداتهم من صيام وحج، ومعاملاتهم من بيوع ومداينات. وهذا أخذ بهم إلى الطريق الطبيعي الذي يستوي فيه العالم والجاهل، وهو التوقيت بالسنة القمرية التي لا تتوقف على معرفة الحساب. والقرآن يرشد دائمًا إلى الوسائل الطبيعية الفطرية التي تعم الناس أجمعين.

ثالثًا ورابعًا: حبب القرآن كثيرًا في الإنفاق، فسألوا عما ينفقون، وعلى من ينفقون، فنزل قوله تعالى : ﴿يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم﴾(١). ونزل قوله تعالى: ﴿ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو﴾(٢). فبين لهم ما ينفقون وهو ما فضل عن حاجتهم وحاجة من يعولون، كما بين لهم موضع الإنفاق.

خامسًا: أرسل النبي ﷺ بعض أصحابه في سرية في آخر شهر جمادى، وفي أول يوم من رجب، وهو أحد الأشهر الحرم، فقتلوا وأسروا، وأخذ الناس جميعًا يسألون عن حكم القتال في الشهر الحرام، فنزل قوله تعالى: ﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل﴾(٣).

فبين لهم أن القتال في الشهر الحرام أمر كبير مستنكر، وقرر حرمة الشهر، ولكن هناك ما هو أشد منه استنكارًا، فالصد عن سبيل الله، والكفر بالله، والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه، كل واحد من هذه الجرائم التي فعلها المشركون أو مجموعها أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام.

(١) البقرة: ٢١٥.

(٢) البقرة: ٢١٩.

(٣) البقرة: ٢١٧.

14

ومن هذا أخذ العلماء وجوب ارتكاب أخف الضررين أو المحرمين إذا لم يكن بد من أحدهما.

سادسًا: لمس كثير من الأصحاب ضرر الخمر والميسر، فسألوا عن حكمهما فنزل قوله تعالى: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾(١). ففهم كثير من أصحاب الرسول حرمتهما جريًا مع القاعدة الطبيعية: وهي وجوب الابتعاد عما يكثر شره، ولم يبت الله في الأمر بالتحريم المطلق أخذًا بسنة التدرج، وتهيئة النفوس كلها لتلقي الحكم بالحرمة على وجه عام.

سابعًا: كثر تحذير القرآن من أكل أموال اليتامى، ونزل الوعيد الشديد، ووقع الناس بذلك في أمرين: أيقاطعونهم فيشعرون بذلة العزلة، أم يخالطونهم فيعرضون أنفسهم لتناول شيء من أموالهم؟: ﴿ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح﴾(٢).

فأرشدهم إلى أن القصد عدم قهرهم وإهمالهم، وعدم الافتيات على حقوقهم والطمع في مالهم، وأن الأمر يرجع إلى إصلاحهم وإرادة الخير بهم، وهذا أمر معروف لا يوجب الحيرة ولا التردد.

ثامنًا: وجد المسلمون بين طائفتين من أهل الكتاب: تخالط إحداهما النساء في حالة الحيض مخالطة تامة، وتجانبها الأخرى مجانبة تامة حتى في المأكل والمشرب، فسألوا: أيعاملونهن كالطائفة الأولى أو الثانية؟ فنزل قوله تعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض﴾.

(١) البقرة: ٢١٩.

(٢) البقرة: ٢٢٠.

15

ولا تقربوهن حتى يطهرن﴾(١). فأرشدهم إلى وسط لا إفراط فيه كالطائفة الأولى، ولا تفريط كالطائفة الأخرى، ولا يمنعهم إلا من المخالطة الخاصة، وأباح لهم ما عداها، وهكذا جاءت الشريعة في أحكامها حدًّا وسطًا بين الإفراط والتفريط.

سر التعبير بلفظ الاستفتاء:

تاسعًا وعاشرًا: وكما جاء الاستفهام عن الأحكام بلفظ السؤال، جاء لفظ الاستفتاء، وذلك في موضعين اثنين من القرآن يتعلق كلاهما بأحكام الأسرة والميراث: ﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن* وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن﴾(٢). وفيها بيان الحكم فيما إذا خافت المرأة نشوزًا من زوجها، وبيان معنى العدل المطلوب بين الزوجات ﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد﴾(٣). الآية الأخيرة من سورة النساء، وفيها بيان ميراث الإخوة والأخوات الأشقاء أو لأب، وتخصيص هذين الموضوعين بكلمة الاستفتاء دون كلمة السؤال مما يدل على شدة العناية بموضوعيها، وهو الأسرة والحق المالي، وذلك نظرًا لما يدل عليه الفرق بين الاستفتاء الذي يتطلب دقة النظر في إبداء الرأي والسؤال الذي لا يستدعي ذلك.

حادي عشر: حرم الله على المسلمين في أوائل سورة المائدة الميتة وما إليها : ﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير﴾(٤). وقد كان العرب

(١) البقرة: ٢٢٢.
(٢) النساء: ١٢٧.
(٣) النساء: ١٧٦.
(٤) المائدة : ٣

16

يستبيحون أكلها، وكانوا مع ذلك يحرمون على أنفسهم بعض الطيبات كالبحيرة، والسائبة وما شاءوا تحريمه، فألحت الحاجة على المؤمنين في معرفة ما أحله الله لهم بعد هذا الذي حرمه عليهم، وفي هذا الشأن جاء قوله تعالى: ﴿يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب﴾(١). فأرشدهم إلى أن كل ما لا يحدث ضررًا ولا يفسد عقيدة حلال لهم غير محرم عليهم، كما أرشدهم إلى حل أكل الحيوان المصيد بشرط ذكر اسم الله عليه.

ثاني عشر: يتم نصر الله للمؤمنين في غزوة بدر، ويحصلون على الأنفال والغنائم فيقع بينهم خلاف فيمن يستحق هذه الغنائم، هل يستحقها الشبان المحاربون، أو الشيوخ الذين وقفوا ردءًا من ورائهم؟ ويكثر بينهم الحديث في هذا الشأن، ويتجهون بالسؤال عنه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فينزل أول سورة الأنفال: ﴿يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين﴾.

فيرشدهم إلى أن الشأن في توزيع الغنائم ليس إليهم، ولا ينبغي أن يكون سببًا في اختلافهم، وإنما هو إلى الله ورسوله، فيجب عليهم أن يطيعوه وأن يصلحوا ذات بينهم وأن يتقوا الله في أنفسهم.

٢ - هذه جملة الأسئلة التي ذكرت في القرآن الكريم موجهة من المؤمنين إلى النبي ﷺ فيما يختص ببيان الأحكام التي تدعو إليها حاجتهم، وهي كلها- كما ترى- واردة في السور المدنية: البقرة، المائدة، الأنفال. ومن المعلوم أن السور المدنية هي التي قامت بمهمة التشريع التفصيلي لأحكام الإيمان.

(١) المائدة: ٤

19

أسئلة غير المؤمنين :

وبقي من الأسئلة الواردة في القرآن الكريم ما كان صادرًا من المنكرين للدعوة المعارضين لها، قد جاء أكثرها في السور المكية التي قامت بالدعوة إلى أصول الدين، ومن هنا نراها -كما يتضح من النظر في موضوعها- تحمل روح الجدل والتحدي فيما يختص بالدعوة، فكان منها السؤال عن الساعة، وقد ورد في ثلاث سور: سورة الأعراف: ﴿يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ سورة الأحزاب ﴿يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبًا﴾ وسورة النازعات ﴿يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها﴾.

ومنها السؤال عن الروح وقد ورد في سورة الإسراء: ﴿ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً﴾ ومنها السؤال عن بعض الشخصيات التاريخية، وهو المذكور في سورة الكهف بقوله تعالى: ﴿ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرًا﴾ الآيات.

ومنها السؤال عن الجبال ومصيرها حين يقع البعث، وهو المذكور في سورة طه بقوله تعالى: ﴿ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفًا فيذرها قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا﴾.

هذه هي الأسئلة التي كان يوجهها المكيون إلى النبي ﷺ وذكرها القرآن.

المسلم يسأل عما ينفعه:

ونحن إذا تأملنا جملة الأسئلة التي وردت في القرآن على ألسنة المؤمنين نعلم

18

منها أن شأن المؤمن أن يسأل عما ينفعه في عبادته ومعاملاته أو يجهله من عقائده؛ فلا يسأل عن الأرواح بعد مفارقتها للجسد، وماذا تعمل، ولا عن كيفية عذاب القبر، ولا مساحة الجنة، ولا عن أرضها، ولا عن سمائها وما إلى ذلك مما شغل المسلمون به أنفسهم، وهو لا يعود عليهم بنفع في الدنيا ولا في الآخرة.

العلماء وبيان الأحكام:

هذا، وقد درج المسلمون من عهد التتريل إلى يومنا هذا على أن يبين لهم علماؤهم أحكام دينهم بيانًا كأسلوب القرآن، مبتدئًا غير مسبوق بسؤال السائلين، وبيانًا مسبوقا بالسؤال وهو ((الفتاوى)).

وقد دونت فتاوى الفقهاء في العصور الفقهية الزاهرة، وكانت مرجعًا عظيمًا لمعرفة الأحكام، وثروة فقهية واسعة.

هيئات الفتوى في العصر الحاضر:

واهتماما بأمر المسلمين أعدت أخيرًا هيئات لفتوى المستفتين، وإجابة السائلين؛ فدار الإفتاء المصرية قد أعدت لذلك، ولجنة الفتوى بالأزهر الشريف قد أعدت لذلك، واتجه المسلمون إليها من كافة أنحاء المعمورة بالسؤال والاستفتاء عما ينزل بهم من وقائع، أو يصدر عنهم من تصرفات، ونرجو في نهضتنا الحاضرة أن تنال هذه الفتاوى حظ الفتاوى السابقة، فتدون وتنشر، فتحفظ ويعم نشرها، وتكون نماءً للثروة الفقهية المأثورة، ووصلاً لما انقطع من سلسلة البحوث الفقهية القيمة.

19

تمهيد

وضع المرأة في نظر الإسلام(١)

عناية الإسلام بالأسرة فرع من عنايته بشأن المرأة كله:

عرضنا فيما مضى لأهم المبادئ التي أرشد إليها الإسلام عند إرادة تكوين الأسرة، وعرضنا فيها كذلك للأساس الذي قرره الإسلام أصلاً في سعادة الأسرة وهنائها. ثم عرضنا لما قد يطرأ على الحياة الزوجية من مظهر النشوز والشقاق، وما اتخذه الإسلام علاجًا لتلك الحالة الطارئة.

وبينا أن الطلاق - مهما تعددت صوره - في واقعه نوع من محاولة العلاج لمرض الشقاق حينما يقوى ويتفاقم أمره. وأنه لا يوجد في الإسلام طلاق ما يحرم على الرجل أن تعود إليه زوجه. فهو إما طلاق رجعي له أن يراجعها منفردًا عنها، وبدون عقد عليها. وإما طلاق يتوقف رجع الزوجة فيه إلى الزوج، على إجراء عقد جديد بمهر جديد.

وإما طلاق بلغت التجربة فيه أقصاها، فشدد الإسلام في سبيل رجوع الزوجة إلى زوجها، واشترط أن تتزوج غيره زواجا شرعيًا لا يقصد منه تحليل، ثم تطلق من زوجها الثاني وتمضي عدتها منه. وهنا يجوز لزوجها الأول أن يستأنف معها حياة زوجية جديدة.

عرضنا لهذا ولغيره. ونريد الآن أن نلفت الأنظار إلى أن عناية الإسلام بالحياة الزوجية ليست إلا فرعًا من فروع العناية بشأن المرأة كله.

المرأة في القرآن:

١- وقد عرض القرآن لكثير من شئون المرأة في أكثر من عشر سور،

(١) الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ محمود شلتوت صـ ١٨٨.

20