الحيرة
نهضت أم الأمراء وأخذت لمياء بيدها تخفيفا عنها. وقد شعرت بما هي فيه من الارتباك فمشت لمياء معها وهي مستغرقة في الهواجس لا تنبس ببنت شفة.
حتى إذا وصلتا إلى حجرة أم الأمراء استأذنت لمياء بالانصراف إلى الغرفة التي أعدت لمنامها. وكانت الشمس قد مالت إلى المغيب فدعتها أم الأمراء إلى البقاء عندها فاعتذرت أنها تشعر بصداع شديد لا ترى وسيلة للتخلص منه بغير النوم. فأذنت لها حبا بإطلاق الحرية لها لئلا يؤثر الضغط على نفسها وأضمرت أن تتفقدها بعد هنيهة.
سارت لمياء وهي تتعثر بأذيالها ولم تصل غرفتها حتى أحست بخوار قواها فاستلقت على فراشها وقد انقبضت نفسها وزادها غروب الشمس انقباضا.
وأخذت تفكر في ما هي فيه من الضيق فرأت أنها لولا حبها سالما لكانت في سعادة لا مثيل لها؛ لأنها ستخطب لابن أكبر القواد على يد أحسن الخلفاء في دار الملك وقد تقربت من أم الأمراء وتصادقتا. وهي تشعر أن هذه الملكة تحبها حقيقة، فلم يكن أسعد حالا منها لولا تعلقها بسالم وأرادت أن تقنع نفسها بتركه والرضى بتلك النعم فلم تستطع. وحالما خطر لها ذلك الخاطر أحست بشيء كالملقط قبض على قلبها.
وأخذت تغالب عواطفها وتخاطب نفسها وهي جالسة على الفراش قائلة: «لعل أم الأمراء مصيبة في قولها عن الرجال إنهم لا يحفظون ذماما كالنساء ... ولكن سالما ليس مثله سواه. كيف أفكر في غيره وقد تعاقدنا ... لله ما هذه الأفكار الشيطانية ليس في الدنيا أكبر نفسا وأجمل خلقا من سالم، ليست السعادة بالمال ولا في الجاه ... إن السعادة في الحب ... مهما عارضتني صروف الدهر وعاندتني وتراكمت علي فإذا تذكرت سالما وأنه يحبني شعرت بلذة وراحة لا مثيل لهما، ما أجمل الحب وأحلاه ... ولكن هل سالم يحبني كما أحبه؟»
وهي في ذلك طرق الباب فأجفلت فرأت صقلبيا يحمل مصباحا وقف بالباب وهو يقول: «إن مولاتي أم الأمراء أمرتني أن أنير لك هذا المصباح.» ووضعه على رف في الحائط مصنوع لهذه الغاية، وقال: «ألا تريد مولاتي أن آتيها بالطعام للعشاء.»
قالت: «كلا، إني لا أشعر بالجوع، وأرجو أن تبلغ مولاتنا أم الأمراء شكري الجزيل على أفضالها.»
فانحنى وهم بالخروج. فاستوقفته وقد خطر لها خاطر جديد، فقالت: «هل أنت من خدم هذا القصر؟»
قال: «نعم يا سيدتي هل تحتاجين إلى شيء؟»
Página desconocida