قالت: «أن تكتب كتابا إلى والدك تقول فيه إذا قدر له النصر ودخل الفسطاط ظافرا أن يأمر رجاله بحماية هذا القصر جزاء لما لقيته من رعاية أصحابه. هل تفعل؟»
قال: «نعم ... إن لصاحبته فضلا علي لا أنساه ...» قال ذلك وتناول قرطاسا وكتب عليه بخطه رسالة في هذا المعنى، ودفعها إلى لمياء فتناولتها وأسرعت في الذهاب خوفا من أن تغلب على أمرها ويتسلط قلبها على عقلها.
وركبت جوادها وخرجت تخترق الصفوف تطلب منزل مسلم بن عبيد الله، وهي تراقب ما تراه من أحوال الناس في أثناء تلك الغوغاء. فرأت تلك الحماسة مقصورة على الأجناد وأنهم قد اتخذوا ذلك النداء ذريعة لابتزاز الأموال. والمصريون لا يريدون حربا؛ لأنهم ملوا استبداد هذه الدولة ومالوا إلى استبدالها بدولة أخرى قد تكون أكثر استبدادا منها، لكنهم يحبون الجديد. فرأت بعض الأجناد يسوقون جماعة من أعيان التجار ويضربونهم ويهينونهم؛ لأنهم لم يؤدوا الإعانة والناس يصيحون ويستغيثون ويشكون فراغ جيوبهم. ثم أجفلت لسماعها صوتا كصوت سالم، فالتفتت فرأته ومعه عمه في جماعة من القواد سائرين على أفراسهم نحو الروضة وهم يحرضون الناس على الطاعة وسمعت سالما يقول لبعض الأغنياء من الأهلين رآه يستغيث من تطاول الجند عليه في طلب المال «أخرجوا الأموال؛ فإن هذا الجند يدافع عن أرواحكم وأموالكم ألا تسعفونهم بالمال على الأقل؟»
فعلمت أن لهذين الرجلين دخلا في جمع كلمة الجند ونكث الصلح.
وبعد قليل وصلت إلى بيت الشريف مسلم فرأت بابه مزدحما بالناس بين راكب وواقف وأكثرهم من الأهلين جاءوا يتظلمون أو يستظلون وسمعت نقمتهم على الأجناد وغضبهم لنقض الصلح. فاخترقت الصفوف حتى وصلت الباب فوسعوا لها رغم إرادتهم وهم يحسبونها جنديا جاء بمصادرة أو اغتصاب حتى دخلت الباب وطلبت أن ترى الشريف فقيل لها إنه في شاغل فقالت: «قد جئت في رسالة مستعجلة.»
الفصل التاسع والستون
الرسالة
فوسعوا لها حتى دخلت عليه بعد أن ترجلت وسلمت الجواد إلى بعض خدمه. وكان مسلم مختليا في غرفته مع بعض الأعيان والتجار وقد علت أصواتهم من النقمة على نقض الصلح. فلما قيل لهم جاء أحد الأجناد سكتوا، فدخلت لمياء بلثامها وأشارت إلى مسلم أنها تريد مقابلته على حدة. فدخل معها إلى غرفة فأوصدت الباب وراءها ثم أزاحت اللثام فدهش لرؤيتها وقال: «ما وراءك؟ من أين أتيت؟»
فقصت عليه خبرها كما هو وأخبرته عن وجود الحسين في القصر بمأمن، وأنها احتالت في المجيء إليه بحجة تلك الرسالة وإنما غرضها أن تبلغ القائد جوهر حال الدولة من الاختلال والضعف حتى لا يغتر بهذا الصياح.
فأعجب الشريف بحميتها وبسالتها وقال: «لله درك من فتاة صادقة باسلة هل تريدين الذهاب إلى القائد بنفسك؟»
Página desconocida