قال: «لما استبطآ قدومك استأذنا في الانصراف»، وضحك لهذا التعبير.
فقالت: «وماذا فعلتم بثيابي وأمتعتي؟»
قال: «هي باقية في الغرفة التي كنت نازلا فيها ضمن صندوق مقفل ولكن جاء بعض المسافرين واستأجروا الغرفة مني فأبقيت الصندوق في بعض جوانبها - على ما أظن.»
قالت: «أعطني الأمتعة، أين هي؟»
قال: «هي هنا، تفضل يا سيدي.» ومشى نحو الغرفة التي باتت فيها ليلة وصولها الفسطاط وهو يتثاقل في مشيته وهي تتبعه. فلما دنا من الغرفة هز بابها فإذا هو مقفل فقال: «لا أدري لماذا يقفلون الغرف كأنهم يخافون أن أسرق ثيابهم ...»
قالت: «ألا يمكن الحصول على الأمتعة الآن؟»
قال: «كلا ... أخاف أن أفتح الباب في غيابهم فيتهموني بالسرقة. ليس كل الزبائن لطفاء الأخلاق والوجوه مثلك يا سيدي. لكن لا يلبثون أن يأتوا ... تفضل واجلس في غرفتي ... يظهر أنك تشكو تعبا على أثر المرض.»
فمشت في أثره إلى غرفة بجانب تلك وفتح الباب وأشار إليها بالدخول، وقال: «إن هذه الغرفة لي وحدي وقد تركتها لك، تفضل استرح.»
وكانت تعبت من المشي؛ لأنها أول مرة خرجت بها من المنزل فدخلت واستلقت على مقعد هناك وأغلقت الباب خوفا من انكشاف أمرها واستلذت تلك الخلوة، فأخذت تفكر بما أصابها بالفسطاط. وطرق ذهنها خصوصا الحلم الذي رأته وهي مريضة إذ رأت الحسين مغلولا في أشد الضيق وقد حاولت أن تقنع نفسها أنه حلم لكنها لا تتصوره إلا واقعا.
وتذكرت تلك الجلسة في بيت كافور وما تحققته من خيانة سالم، فاقشعر بدنها ولم تكد تتصوره حتى سمعت صوتا مثل صوته يرن في أذنها فذعرت وأصغت فإذا هي حقيقة تسمع صوته، فجلست على المقعد، وأصاخت بسمعها وهي تحسب ذلك حلما آخر. فإذا هي تسمع وقع أقدام بباب الغرفة فنهضت وتهيأت للوثوب واستعدت للمقاومة فإذا بالخطى تتجه نحو الغرفة الأخرى التي كانت لها وسمعت صوتا مثل صوت أبي حامد فتسارعت دقات قلبها وأسرعت إلى باب غرفتها فأوصدته وجعلت أنها نائمة ووجهت انتباهها؛ لتتحقق هل هي في يقظة. فسمعت أبا حامد يقول: «أوصد الباب يا بني وتعال.»
Página desconocida