قال: «أعني المعز وجوهرا قائده. إنهما ماتا الآن ولا يمضي إلا بضعة أيام حتى تأتينا كتب الأمراء بذلك.»
فأحب يعقوب أن يسمع لمياء كلام سالم عن نفسه فوجه الخطاب قائلا: «إن الفضل في هذا النجاح ليس للأمير أبي حامد فقط وإنما هو لك أيضا ... وإن حيلتك التي قصصتها في المرة الماضية غريبة في بابها.» وضحك تحريضا له على التصريح.
فقال سالم: «إن الفضل الأكبر لهذا الأمير، وهو صاحب الرأي الأعلى وعنده الرجال والأموال. وأما أنا فعملي مقصور على إغراء فتاة جاهلة توهمت أني أحبها فاتخذناها وسيلة لخدمة مصلحة صاحب مصر - أيده الله.»
ولا تسل عن لمياء وما أصابها عند سماع هذا الكلام. ورغم تجلدها وتمالكها أحست أنها مدفوعة لتكذيب ما سمعته وحدثتها نفسها أن تتقدم في تلك اللحظة وتكشف الحقيقة. وكان يعقوب يلاحظ حركاتها ويشير إليها خلسة أن تتجلد.
وهم في ذلك رأوا كافورا يتحرك في سريره حركة غير اعتيادية وقد تغيرت سحنته فانتبه له الطبيب ونهض إليه فرآه قد أصيب بنوبة سعال شديدة.
فأومأ إلى القوم بالانصراف حالا، فنهض أبو حامد وسالم وخرجا واشتغل الطبيب بمعالجة كافور فنادى غلامه (لمياء) أن يأتي بالجراب فأسرعت وفتحت الجراب ويداها ترتعدان من التأثر وقد احمرت عيناها من الكظم فتناول الطبيب قارورة الاستنشاق وقربها من أنف كافور وأعانه يعقوب بإسناده وهو لا يزداد إلا سعالا حتى كاد يغمى عليه.
وشغلت لمياء بذلك المنظر عما جال في خاطرها، وقضوا ساعة وهم يسعفون الأمير بالعلاج حتى سكن السعال ومال إلى الرقاد، ثم جس الطبيب نبضه وقال: «إنه مرتاح الآن فينبغي أن نتركه نائما.»
فقال يعقوب: «فنذهب نحن إذن.»
قال: «نعم. أما أنا فلا ينبغي أن أتركه ؛ إذ أخشى أن تعاوده النوبة.»
فقال يعقوب: «أنا ذاهب مع غلامك هذا وسأترك عندك أحد غلمان الأمير يقدم لك الجراب إذا مست الحاجة.»
Página desconocida