فلما دخل عبد الله هاله الموقف ولكنه تجلد وقد علمته الأيام أن ما يراه من مظاهر الأبهة ليس إلا أعراضا زائلة وأن الحق سلطان يعلو ولا يعلى عليه. ولم يكن من شأن الإمبراطور النظر في مثل هذه الدعوى الجزئية لولا ما همه من أمر الخاتم فأحب استطلاع أمره بنفسه فلما مثل عبد الله بين يديه خاطبه والحارث يترجم بينهما فتناول الإمبراطور الخاتم بيده وقال لعبد الله: «من أين أتيت بهذا الخاتم.»
فأجابه عبد الله مطرقا: «قد جاءني بطريق العرض يا مولاي فاشتريته بالثمن.»
قال: «لا يعقل أن مثل هذا الخاتم يباع بالأسواق أو يلقى على الطرق وهب أنك وجدته على قارعة الطريق ألم يكن الأجدر بك تسليمه إلى صاحبه.»
فقال عبد الله: «مولاي يعلم أن صاحب هذا الخاتم إذا صح أنه النعمان بن المنذر عامل كسرى على الحيرة فهو في عداد الأموات منذ نيف وعشرين سنة.»
قال الإمبراطور: «أليس من أبنائه أحد حيا تسلمه إليه.»
فسكت عبد الله.
فقال الإمبراطور: «ما بالك لا تجيب أجب ولا تخف وهب أنك جاسوس أو شبه جاسوس فنحن لا نخاف الجاسوسية بعد أن منحتنا العناية الصمدانية أكاليل النصر على أكاسرتكم.»
فقال عبد الله: «لقد نطق مولاي ببراءتى من الجاسوسية من تلقاء نفسه والحمد لله إذا لم يبق ثم حاجة إليها والصلح قد عقد بين جلالته وكسرى ملك الفرس بعد أن كان ما كان من ظهوره عليه.»
قال هرقل: «نعلم ذلك ولكننا شديدو الرغبة في معرفة كيفية وصول هذا الخاتم إليك وسبب إقامتك بجوار بصرى كل هذه المدة متنكرا على ما علمت من عاملنا هناك.»
فظل عبد الله مطرقا ولم يجب.
Página desconocida