لقاء الحبيبين
فقال: «سمعا وطاعة» وعاد فركب فرسه وسار بأسرع من لمح البصر حتى دخل بصرى وهرول إلى سوق الصاغة وكان لا يخلو جيبه من بدرة لما قد يحتاج إليه في غربته فابتاع بضعة أساور وبضعة أقراط من أجمل الأزياء الشائعة إذ ذاك وعاد حالا فلما دخل الصومعة لاقاه بعض الخدم وقال له: «ألعلك بائع الحلي» قال: «نعم» قال: «إن مولاتنا تنتظرك في بعض غرف دير بصرى» فعاد إلى الدير فلاقته الخادمة ودخلت به على سيدتها وهي في الغرفة على إنفراد وكانت قبل مجيئه مضطربة استعدادا لساعة اللقاء فلا تسل عن خفقان قلبها واصطكاك ركبتاها ولكنها تجلدت لئلا تلحظ خادمتها منها شيئا يكشف حقيقة أمرها فلما دخل استقبلته استقبالها رجلا غريبا فأمرت له بوسادة جلس عليها وجلست هي على وسادة أخرى.
فجعل حماد الأساور والأقراط بين يديها فقلبت شيئا منها وتظاهرت أنها أعجبت بإحدها فقالت: «ما رأيك بهذه الأساور» قال: «هي من صنع القسطنطينية وصناعتها دقيقة يفضلها العارفون على هذا النوع فانه صنع خراسان.»
فقالت له: «بأى ثمن تبيعها؟» قال: «أنها غالية الثمن يا مولاتي فهي تساوى خمسمئة دينار (ولم تكن تساوى حقيقة إلا عشرة دنانير).»
قالت: «لا بأس من غلائها ولكنني لا أستطيع ابتياعها ما لم أرها لوالدتي.»
فقال حماد: «حسنا تفعلين وأين هي والدتك.»
قالت: «في منزلنا على بعض غلوات من هذا المكان ولكنك لا تعرف من نحن فلا تأمن أن نسير بها جميعا فسأرسلها مع هذه المرأة وأبقى أنا هنا ريثما تعود فإذا استحسنتها والدتي أرسلت الثمن معها فاشتريتها ودفعت الثمن وإلا فإني أعيدها إليك كما هي.»
فقال: «ولكنني لا أستطيع البقاء هنا طويلا.»
قالت: «لا تخف فإن هذه المرأة ستسير على جواد سريع الجري وإذا أبطأت عوضنا عليك الخسارة كن مطمئنا.»
فقال: «أرجو إذن أن تحتفظ بالأساور لئلا يقع شيء من أحجارها أثناء التقليب.»
Página desconocida