فازداد حماد رغبة في ذلك فقال: «غدا نصابح مجلس الملك أن شاء الله فنسلم عليه ونودعه. هل تعرف الطريق إلى البلقاء يا سلمان.»
فقالت سعدى: «سنرسل رجالا يسيرون في ركابكم إليها.»
أما سلمان فما أنفك منقبض النفس من أمر هذه المهمة لعلمه أنها شديدة الخطر جدا ولكنه سلم أمره إلى الله.
وقضوا بقية اليوم في صرح الغدير ولكن هندا لم تهنأ بذلك الاجتماع لخوفها من الفراق العاجل وقرب الخطر الشديد على أنها شغلت بحديث حبيبها ولهت برؤيته عن كل المخاوف فلم يكن يوم أسعد عليها من ذلك اليوم وودت لو أنه يوم يشوع بن نون خوفا من انقضائه ولا تسل عن حماد وسروره وقد سهل عليه المسير إلى الكعبة أمله بلقاء والده هناك.
الفصل التاسع والثلاثون
الوداع
وفي الصباح التالي أصبحت هند كئيبة حزينة وأحست بلهفة وجزع لم تشعر بهما قبلا فكانت كلما نظرت إلى حماد خيل لها أن أحدا يحاول اختطافه من بين ذراعيها فيضطرب قلبها وتسود الدنيا في عينيها فحدثتها نفسها لأول وهلة أن يتواطأ على رفض أمر القرطين ولكن الأنفة وعزة النفس اعترضتاها فصبرت نفسها متعللة بالآمال.
فلما أشرقت الشمس كانت الخيول قد أعدت لركوب حماد وسلمان إلى البلقاء مع بعض الفرسان من أهل القصر فنهض حماد لوداع هند ووالدتها وكانتا تنتظرانه في غرفة الضيافة فدخل وهو في لباس السفر فوقفت له هند وركبتاها ترتجفان فمد يده إليها فمدت يدها فأمسكها فأحس بها باردة كالثلج ونظر إلى وجهها فإذا به قد امتقع لونه فلما خاطبها خطاب الوداع تناثر الدمع من عينيها بغتة وجذبت يدها من بين أنامله بلطف وأطرقت ولم تجب فعلم أنها إنما فعلت ذلك خوفا عليه من هذا السفر الخطر.
فإلتفت إليها مبتسما وقال: «ما بالي أرى هندا خائفة وعهدي بها تنافس أشجع الرجال وتسابق أفرس الفرسان.»
فنظرت إليه بطرف عينيها وتنهدت تنهدا عميقا ولبثت صامتة ولسان حالها يقول: «أن مسابقة الفرسان شيء ومفارقة الأحباب شيء آخر.»
Página desconocida