Fasl Maqal
فصل المقال في شرح كتاب الأمثال
Investigador
إحسان عباس
Editorial
مؤسسة الرسالة
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٩٧١ م
Ubicación del editor
بيروت -لبنان
ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام فإنه يحتمل معنيين (١): أحدهما ظاهر جلي، والثاني غامض خفي. أما الجلي فإنه يقول إنه انصرف جذع البصيرة مستمر المريرة لم يفل عزمه ولا ضعفت نيته بما أصيب من جسمه من الخيل الذي كملت سنه وتناهت قوته، وأما المعنى الخفي فإنه يقول: ثم انصرفت وقد أصبت؟ أي قتلت أعدائي ونكيت؟ ولم أصب أي لم ألف على هذه الحال، أي لم ألف جذع البصيرة قارح الإقدام بل ألفيت قارح البصيرة جذع الإقدام لأن بصيرة القارح المجرب المنجذ هي التي لا تستحيل ولا تضطرب. وأما بصيرة الجذع أي الصبي فلا تثبت ولا تدوم، وألفيت جذع الإقدام أي شديده ماضيه، لا ينثني ولا يردعه شيء على نحو ما قدمان من مذهب من ذكر الشباب وأهل الغرارة في الحروب. ويعضد هذا المعنى على [المعنى] الأول الجلي ويؤيده أنه يستحيل أن يقول: ولم أصب أي لم ينل مني (٢) وهو قد قال قلبه:
حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكناف (٣) سرجي أو عنان لجامي فهذا نقض وإبرام ونفي وإيجاب وسوفسطانية صحيحة. والحجة للقول الأول أنه أراد بقوله: لم أصب: لم أقتل أي انصرفت وقد قتلت فيهم وسلمت منهم كما تقول: أصيب فلان يوم كذا أي قتل، يريدون: أصيبت نفسه، كما قال النبي ﷺ لجيش الأمراء: أميركم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فعبد الله ابن رواحة، فأصيبوا كلهم. وحجة أصحاب المقالة الثانية: وكيف يسوغ له أن يقول ولم أقتل وهو ينشد شعره ويخاطبهم بلفظه. والعرب تقول: أصيب
(١) أفاض أبو عبيد في شرحه هذا المعنى هنا، واختصر القول فيه شرح الأماني (انظر السمط: ٨٠٦) وقد نقل صاحب الخزانة من شرح أبي عبيد على الأمالي ولم ينقل من شرحه المسطور هنا (انظر الخزانة ٤: ٢٦٠) وخير الآراء فيه رأي أبي العلاء وهو إن إقدامه قارح لأنه قديم، وإنه جذع البصيرة لأنه كان فيما سلف لا يرى رأي الخوارج ثم تبصر، والبصيرة اصطلاح يتكرر كثيرًا في الشعر الخارجي، وهو يعني عندهم اهتداءهم إلى العقيدة الصحيحة. (٢) س ط: منه شيء. (٣) س: أحناء؛ حيثما وقعت.
1 / 156