والسنن والمسانيد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله، وفي رواية: أسرف رجل على نفسه، فلما حضر أوصى بنيه: إذا مات فحرقوه، ثم ذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله لأن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا ما عذب به أحدا من العالمين، فلما مات فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت تعلم، فغفر له.
فهذا منكر لقدرة الله عليه، ومنكر للبعث والمعاد، ومع هذا غفر الله له، وعذره بجهله، لأن ذلك مبلغ عمله، لم ينكر ذلك عنادا.
وهذا فصل النزاع في بطلان قول من يقول: إن الله لا يعذر العباد بالجهل في سقوط العذاب إذا كان ذلك مبلغ علمه، إنتهى.
[جواب لابن تيمية عن التكفير] وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن التكفير الواقع في هذه الأمة، من أول من أحدثه وابتدعه؟
فأجاب: أول من أحدثه في الإسلام المعتزلة، وعنهم تلقاه من تلقاه، وكذلك الخوارج هم أول من أظهره، واضطرب الناس في ذلك، فمن الناس من يحكي عن مالك فيه قولين، وعن الشافعي كذلك، وعن أحمد روايتان، وأبو الحسن الأشعري وأصحابه، لهم قولان.
وحقيقة الأمر في ذلك ، أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير قائله، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يكفر، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، من تعريف الحكم الشرعي من سلطان، أو أمير مطاع، كما هو المنصوص عليه في كتب الأحكام، فإذا عرفه الحكم وزالت عنه
Página 65