Fasl al-Khitab fi al-Zuhd wa al-Raqa'iq wa al-Adab
فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب
Géneros
- الدرجة الثالثة وهي العليا: أن يزهد طوعًا ويزهد في زهده فلا يرى زهده، إذ لا يرى أنه ترك شيئًا، لأنه عرف أن الدنيا لا شيء فيكون كمن ترك خزفة وأخذ جوهرة، فلا يرى ذلك معاوضة، ولا يرى نفسه تاركًا شيئًا والدنيا بالإضافة إلى الله تعالى نعيم الآخرة أخس من خزفة بالإضافة إلى جوهرة، فهذا هو الكمال في الزهد. وسببه كمال المعرفة، ومثل هذا الزهد آمن من خطر الالتفات إلى الدنيا، كما أن تارك الخزفة بالجوهرة أمن من طلب الإقالة في البيع.
فهذا تفاوت درجات الزهد، وكل درجة من هذه أيضًا لها درجات، إذ تصبر المتزهد يختلف ويتفاوت أيضًا باختلاف قدر المشقة في الصبر، وكذلك درجة المعجب بزهده بقدر التفاته إلى زهده.
وأما انقسام الزهد بالإضافة إلى المرغوب فيه أيضًا على ثلاث درجات:
- الدرجة السفلى: أن يكون المرغوب فيه النجاة من النار ومن سائر الآلام كعذاب القبر، ومناقشة الحساب وخطر الصراط وسائر ما بين يدي العبد من الأهوال.
- الدرجة الثانية: أن يزهد رغبة في ثواب الله ونعيمه واللذات الموعودة في جنته من الحور والقصور وغيرها، وهذا زهد الراجين، فإن هؤلاء ما تركوا الدنيا قناعة بالعدم والخلاص من الألم بل طمعوا في وجود دائم ونعيم سرمد لا آخر له.
1 / 127