تم به الحسن والبهاء
لا تعجبوا، ربنا قدير
يزيد في الخلق ما يشاء
فماج القوم من الطرب وخرجوا عن وقارهم.
وتحين قرعويه فرصة فاستأذن من صاحبي الدار في الخروج، وبعد أن انتصف الليل قام أبو فراس بعد أن شكر الخالديين، وامتطى جواده وخلفه سهم، وكان الظلام حالكا، وقد خلت الطرق من السابلة، وبينما هما يمران بميدان أمام باب اليهود؛ إذ خرجت عليهما ثلة من الفرسان كانت تختبئ في أحد الدروب، فوثبت على أبي فراس فطارت النشوة من رأسه، وعاوده عزمه ورأيه، فدار حولهم حتى حاذى جانبهم، فأرادوا أن يتجهوا نحوه بخيولهم، فاضطربت الخيل واصطك بعضها ببعض، واهتبل أبو فراس هذه السانحة فأغمد حسامه في فرسين فسقطا على الأرض، ثم تراجع قليلا، فأراد الفرسان أن يتبعوه فارتطمت الخيل بالفرسين الساقطين، فانقض عليهم كما ينقض النمر، وأعمل فيهم سيفه ضربا وتقتيلا، وفي هذه اللحظة هجم عليه زعيمهم وكان ضخم الجثة، وكأنه قطعة الجبل، فضرب بسيفه سيف أبي فراس فأطاره من يده، فوثب أبو فراس من سرجه إلى صهوة جواد هذا الفارس الشعشاع، حتى إذا كان منه وجها لوجه، مد ذراعه الحديدية إلى عنقه فعصره بيسراه، واختطف بيمناه سيفه من يده. وضربه ضربة أطاحت رأسه، فسقط مجدلا. وحينما رأى من بقي من العصابة ما حل بزعيمهم طاروا من الذعر، وهم لا يكادون يصدقون أنهم أحياء، وعاد أبو فراس إلى جواده فامتطاه كأن لم يحصل شيء، وكأن هدوء الليل لم يزعجه صليل سيف، ولا وثبة جواد، وجال بخاطره وهو في طريقه إلى داره أن يترنم بقوله:
إذا كان منا واحد في قبيلة
علاها، وإن ضاق الخناق حماها
وما اشتورت إلا وأصبح شيخها
ولا احتربت إلا وكان فتاها
8
Página desconocida