Farah Antun: su vida, su literatura y extractos de sus obras
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Géneros
ولغته سهلة غير متكلفة، لا يعنى باختيار ألفاظها، وحسن تنزيلها، فهي أشبه بلغة الجرائد، وكان يؤثر هذا الأسلوب في الكتابة ويدعو إليه، ويتنكر لتنميق العبارة وتنخلها. ولعل مرد ذلك إلى شغفه بالثقافة العقلية، ثم إلى سرعته في العمل، وكثرة اشتغاله بالتأليف والنقل وتحبير «الجامعة»، فلم تنحسر له أسرار الألفاظ كما انحسرت له أسرار المعاني، وفاتته ملكة التعبير، فلم يدرك جماله كما أدرك جمال التفكير.
وظل يتعهد مجلته «الجامعة» في الإسكندرية حينا، وفي الولايات المتحدة آخر، ويعالج الأبحاث الاشتراكية تصنيفا وترجمة، ويتوفر على القصص والتمثيل حتى تهدمت بنيته وانهارت قواه، ويخبرنا عن نفسه فيقول: «رأيت في بعض الليالي الفجر يطلع علي وأنا وراء مائدة العمل.» فتوفي في مصر وهو دون الخمسين من عمره.
بطرس البستاني
عن: مناهل الأدب العربي، رقم 29
الكاتب الشرقي وحاجاته الجديدة
لكل عصر حاجات، ولو كان العصر اليوم كعصر الهمذاني والزمخشري وابن المقفع والمتنبي، لما كان لأحد أن يذكر للكتاب حاجات جديدة؛ فإن الهمذاني كان يزور خراسان مثلا فينشد بضعة أبيات، ويكتب بضع رسائل، فيعود ممتلئ الأردان، والمتنبي كان يقول قصيدة واحدة فيعطى من أجلها ألوف الدنانير. ومتى كانت سوق الأدب رائجة إلى هذا الحد، فذلك دليل على وجود الاتفاق التام في أذواق القائلين والسامعين.
ولو أن العصر بقي كما كان في أيام من أشرنا إليهم؛ لجاز أن يقال لأدباء اليوم: تحدوا سابقيكم، واقتدوا بمتقدميكم. وحينئذ كان هذا الاقتداء أمرا معقولا مقبولا، ولكن العصر قد تغير من حسن الحظ، ولم يعد المقصود من الأدب وصناعته مدح الملوك والأمراء أو العظماء، بل صار يقصد به أمر أسمى من هذا كثيرا، ونريد بذلك تكوين الأمم، وتكبير نفوسها، وإنهاض ضعفائها، وترقية شئونها.
كان المتنبي لا ينظم شعره إلا لممدوحه ولطبقة الشعراء والمتأدبين، وكان يظن أن هؤلاء الشعراء والمتأدبين هم الدنيا كلها، بدليل قوله: «إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا.» مع أن هؤلاء الشعراء والمتأدبين كانوا جزءا صغيرا من الأمة. أما اليوم فالكاتب العصري عليه أن يكتب لمجموع الأمة كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، رجالا ونساء، تجارا وصناعا وزراعا وأدباء؛ أي إن الأدب والعلم أفلتا من قيدهما القديم الذي كان يحصرها في طبقة واحدة لغرض التسلية والطرب، واندفعا نحو جميع الطبقات لأغراض عمومية يقصد بها فوائد أدبية وعملية؛ فنتج عن ذلك أن رواج الأدب لم يعد متوقفا على طرب أمير كسيف الدولة، ولا على جود الملوك والخلفاء، بل على تأثير أقوال الكاتب في الجمهور الذي صار السيد الحقيقي على الأدب والأدباء؛ فوظيفة الكاتب إذا أن يحسن التأثير في نفوس هذا الجمهور.
وإن قيل إن الملوك والأمراء قد يؤثرون أعظم تأثير في ترويج الأدب لمساعدتهم أهله، فنجيب: إن هذا القول صحيح متى كانوا يقصدون بمساعدتهم لهم مجرد إنماء مواهبهم لتنتفع الأمة بها، ولكن إذا كانوا يقصدون بذلك تقييد تلك المواهب بهم لتنشر نور مجدها عليهم وعلى أعمالهم بالمدح والثناء، فإن الحال تتغير تغيرا عظيما، خصوصا متى كانت مصلحة الملك مخالفة لمصلحة الأمة. ذلك أن صاحب تلك المواهب لم يعط مواهبه من الله ليجعلها وقفا لفرد واحد، ولو كان ملكا، بل أعطيها ليخدم بها جميع بني جنسه، فإذا خطر له وقفها على واحد أو جماعة أو طائفة أو مذهب دون غيره، فإنه بذلك ينقض العهد الذي أعطاه على نفسه وهو في بطن أمه، حين أخذ تلك المواهب عن طريق الطبيعة من يد العناية الإلهية، وحينئذ يقع بين نارين: إما دوس مصلحة الأمة من أجل مصلحة ملكها، وإما ترك الملك وقيوده الذهبية مختارا عليها معيشة الفقر والحرية مع الأمة.
ولا ريب في أن أولئك الكتاب والشعراء المتقدمين الذين كانوا يتزاحمون على أبواب الخلفاء والأمراء، ويتنافسون في إطراء ممدوحيهم، ووضعهم أحيانا في مرتبة الآلهة، ليستدروا منهم ألوف الدراهم والدنانير - تلك الأموال التي كانت مأخوذة من دماء الشعوب والأمم بطرق مختلفة - لو علموا أنهم وجدوا لمساعدة الشعوب والأمم، لا لمساعدة ملوكها على ابتزاز أموالها، ومشاركتهم بعد ذلك فيها بطرق تشبه طرق الشحاذة؛ لعلموا أنهم أضاعوا مواهبهم في غير وجوهها، ولم يأكلوا مالا حلالا.
Página desconocida