Farah Antun: su vida, su literatura y extractos de sus obras
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Géneros
فما سبب ذلك؟ سببه أن ثمار التين الرديء تحمل إلى التينة الجيدة لقاحا لتلقيح ثمارها، ومن غير هذا اللقاح لا ينضج للتين ثمر. وقد كان هذا التلقيح يتم في العصور الماضية بواسطة الحشرات، التي كانت تنتقل من الثمار الرديئة إلى الجيدة فتلقحها، فالظاهر أن متوحشي ذلك الزمان قد راقبوا ذلك وشاهدوا أن الحشرات تخرج من جوف الثمرة، فاستنتجوا منها أنها تخلقها، فأكرموا التينة وعبدوها. (9) شجرة الخلد المصرية
ويوجد في تاريخ المصريين مثال مهم على اشتقاق الحيوان من النبات، فإنهم قد وجدوا في كتاب الأموات، الذي يعتبرونه دليل النفوس التائهة بعد الموت، قولا غريبا يؤيد ذلك. وهذا نصه: إن الميت يحمل عصاه في يده ويذهب في الآفاق مفتشا عن ضالته، ولكنه لا يلبث أن يصل إلى طرف الدنيا الحقيقية، فيجد نفسه تجاه جميزة ممتلئة من أثمار تين الجميز، وعليها امرأة نابتة من جذعها، وفي يدها إناء يتضمن ماء الحياة، فإذا رفض أن يأخذ منها عجز عن إتمام سيره؛ لأن هذه الشجرة شجرة الخلد، وهذه المرأة هي الإلهة نوت إلهة الخلد، التي تحمل في يدها كوز ماء الحياة؛ فالذي يشرب منه يحيا، والذي لا يشرب يموت.
وقد بحث المسيو ماسبرو في سبب عبادة المصريين القدماء لشجرة الجميز وتقديسهم إياها، فقال: إنهم في بدء الاجتماع كانوا يستغربون انفراد شجرة من أشجار الجميز في سهل فسيح دون أن يكون لها رفيقة في الحياة، فيكرمونها ويعتقدون البركة فيها. وكانت السهول الواقعة قرب الجميزة تدعى مكان الجميز، وكانت مصر نفسها تدعى في أيام الفراعنة أرض الجميز. (10) اشتقاق الإنسان من النبات
هذا ولاشتقاق الإنسان من النبات مثال آخر أدل مما تقدم، وهو أن كثيرين من متوحشي أميركا وآسيا يعتبرون أنفسهم أنهم إخوان للأشجار والنباتات التي حولهم، ويعتقدون أن لها أرواحا تحس وتشعر. وقد وجدت في الهند وغيرها رسوم كثيرة تمثل أشجارا معلقة بها رءوس بشرية، وكانت العادة في أوروبا منذ القديم أن يزينوا الأشجار بوجوه صناعية من جلد ملون. وكان سكان جزائر بحر إيجة يعبدون البحر، ويزعمون أنه مصدر كل شيء؛ إذ فيه كل ما في الأرض، ففي الأرض أفراس وبشر وأثمار كالخيار وما أشبه، وكذلك في البحر، وإنما قالوا هذا القول لما وجدوه من الشبه بين مخلوقات البر والبحر. وفي تقاليد كثير من الشعوب أن زبد البحر الطافي على وجهه هو مادة الحياة الأولى، ومنها خلق كل ذي حياة. وكان الرومانيون والهنود والمصريون أيضا وغيرهم من المتقدمين يعتقدون كما قال المسيو لنورماند: إن العالم شجرة عظمى، الأرض جذعها، والسماء أغصانها، وثمرتها النار. ولما قام الرجل الأول الذي علم الناس كيف تستخرج النار من الشجرة حسبته الآلهة كافرا؛ لأنه سرق من الشجرة المقدسة ثمرتها الممنوعة. وهو قول يقرب مما جاء في التوراة.
ولكن أين الشجرة التي اعتقدت شعوب كثيرة أن الإنسان مشتق منها؟ الجواب الذي تجيب به كل تلك الشعوب أنها كائنة في قعر البحر؛ فمن البحر يخرج كل شيء، البحر هو مصدر الحياة وصانع المخلوقات. وقد كان هذا الاعتقاد شائعا كل الشيوع في الهند والصين واليونان، ووجدت في هياكل بوذة والبراهمة في الهند والصين رسوم كثيرة تمثل الشجرة الخالقة العظمى نابتة من قعر البحر، ورافعة فروعها فوق الأمواج، ومنها مشتق الإنسان. ومما ينطبق على هذا الاعتقاد ما رواه فلوطرخوس نقلا عن عامة اليونان؛ فقد روى أنهم كانوا يعتقدون أن سنديانة زوس نبتت من قعر البحر بعد الطوفان. وقوله بعد الطوفان يدل على الزمن الذي تلاشى فيه البشر وقام بشر غيرهم. فكأنه قال إن الإنسان الجديد نبت من تلك السنديانة الجديدة.
هذا أهم ما عثرنا عليه في موضوع عبادة الإنسان النبات، ومنه يستدل القارئ أن البشر الأول لم يعبدوا أشباههم من المخلوقات إلا لما كانوا يرونه فيها من المزايا، ويشاهدونه فيها من الرموز أو المقدرة أو المنفعة. وفوق كل ذي علم عليم.
خطبة لدى شلال نياغرا
سلام أيها الشلال، حدثني لأحدثك؛ فقد جئتك من مكان بعيد. لقد جئتك من البلاد الشرقية البعيدة التي سمعت بك وأنت لم تسمع بها، ولقد قرأت عنك في صباي ما أدهشني، فلما وطئت قدماي بلادك العظيمة هذه كانت زيارتك إحدى أماني نفسي، ولما بلغت ماء أمس بلدتك المسماة باسمك، وسمعت في الفندق صوتك يملأ الفضاء، لم أستطع الرقاد، مع أن الليل كان في منتصفه، وكان صوتك مع كونه شبيها بصوت أم تهمهم في أذني طفلها لتنومه يهيج أعصابي في فراشي، ويمنعها من السبات بدل أن يسكنها. وخيل لي مرارا أنه يدعوني إليك، وألا أؤجل زيارتك ومصافحتك إلى الغد، فنهضت إلى ملابسي فلبستها، وانحدرت في ظلام الليل إلى الحديقة التي على شاطئك بين حبال الأنوار الكهربائية التي زينوا بها الطريق إليك؛ زينة تتجدد في كل يوم بجمال وسلامة ذوق، كأنهم يحتفلون بك احتفالا أبديا. ولما صرت على شاطئك في الحديقة بين أصوات قبلات العشاق في الخمائل، ولفتات بنات أميركا ليرين هل يرى أحد تلك القبلات المسروقة من وجناتهن، هبطت إلى مائك بسرور ولذة لا مزيد عليهما، كأنني هابط إلى ماء أعظم من ماء الأردن، وغمست فيك كفي أصافحك قائلا: سلام يا صاحب الماء.
أي نعم، سلام وألف سلام. لقد جئت أسألك سرك العظيم. أنا تعبت ولم أتجاوز ثلث قرن، وأنت لم تتعب وقد تجاوزت مئات قرون، فما السر في ذلك أيها الشلال؟
ولم يكن تعبي من الحياة وحياتك، فقد كنت تعبا منها من قبل حين كنت في زمن الشباب، أعني شباب الروح لا شباب الإهاب. أما الآن وقد بدأت أفهمها - عفوا، ولا تبتسم إن كنت تستطيع الابتسام - فقد أصبحت أحبها كحب الإنسان لشيء لا مفر منه، فإن حضر تمتع به، وإن غاب لم يسأل عنه ... وإنما تعبت لأنني أركض وراء شيء وهو يركض أمامي.
Página desconocida