Farah Antun: su vida, su literatura y extractos de sus obras
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
Géneros
فهنا - وا أسفاه - لم تبق حاجة إلى شرح الحادثة التي تقدمت؛ لأن القارئ اللبيب فهم كل تفاصيلها وروابطها وأسبابها، وعرف مبلغ تعاسة إميليا.
وما استقر المستر كرنيجي برهة في الخيمة مع المستر كلدن وزوجته حين دخوله عليهما - كما تقدم - حتى دخل الترجمان يقول: إن رجلا يدعى الخواجة لوقا طمعون قد حضر من بيروت للسلام على حضرة السر، فعاد الاضطراب حينئذ إلى إميليا ونهضت لتخرج إلى خيمتها، فأومأ إليها المستر كلدن أن تبقى لتلتذ بمشاهدة خصمها تحت قدميها، ثم همس بضع كلمات في أذن سكرتيره ليطلعه على طرف من المسألة، وبعد ذلك قال للترجمان: قل للرجل أن يدخل.
فدخل لوقا طمعون باشا ضاحكا كأنه لم يصب بمكروه، فحيا أجمل تحية، فجاوبه المستر كرنيجي. أما المستر كلدن فقد كان يتشاغل بتقليب الأوراق على المائدة. وأما إميليا فقد أدارت ظهرها للباب وانحرفت نحو الظل وهي ترتجف من الغضب والحقد.
فساء لوقا هذا الاستقبال البارد، فجلس منقبضا، وبعد أن دام السكوت دقيقة قال المستر كلدن بنزق وهو ينظر في الأوراق لا في وجه ضيفه: ماذا تريد حضرتك؟ فأجاب لوقا: لقد كتبت لجناب السر أعرض عليه خدمتي في كل ما يريده في الشرق؛ إذ بلغني أنه يطلب وكيلا، فقال كلدن: وكيف تريد أن أتخذك وكيلا من غير أن أعرف أمانتك واستقامتك؟
فانجرح هنا لوقا في صميم شرفه التجاري والأدبي، فصعد الدم إلى رأسه وأجاب: لقد قدمت لحضرتك الشهادات الكافية، وفي جملتها شهادة رئيس ديني كبير.
فقهقه كلدن حينئذ بصوت عال، وقال: شهادات؟ هل تريد أن أجعل أحد خدامي يجلب مثل هذه الشهادات بعشرة ريالات فقط؟ ثم التفت إلى إميليا وقال: ما قولك مسز، هل تقبل منه هذه الشهادات؟
فلم تجاوب إميليا لأنها كانت غير قادرة على الكلام. أما لوقا فعدل حينئذ عن مطلبه، فقال بشيء من عزة النفس: عفوا يا سر، أنا سألت حضرتكم سؤالا، فإذا قبلتموه شكرتكم، وإذا رفضتموه عدت من حيث أتيت مسرورا بأني تشرفت بمعرفتكم.
فحينئذ دبت الحماسة في صدر إميليا؛ لأنها شعرت بأن الخصم لا تزال له قوته التي سحقتها فيما مضى، فعزمت على سحق هذه القوة للانتقام منها، فجمعت قواها كلها وقالت: إن طلب المستر كلدن حق؛ إذ بلغته أعمالك في صيدا.
فقال لوقا في نفسه: الآن علمت سر المسألة، فإن أعدائي ومزاحمي سعوا بي لدى هؤلاء الكرام؛ ولذلك أساءوا استقبالي، ثم أجاب مبغوتا ومظهرا الدهشة: عفوا يا سيدتي الكريمة، أية أعمال تعنين؟ إن جميع أهل صيدا يشهدون لي بحسن السيرة والسريرة والشرف، وإذا تفضلت وأطلعت خادمك الأمين على الأقوال التي بلغتكم من حسادي وأعدائي؛ فإنني أنقضها كلها قولا قولا.
فأجاب المستر كلدن حينئذ بحدة: أنا لا أحب كثرة الكلام يا مستر لوقا، فإذا شئت أن تكون وكيلا لأشغالنا فجئنا بشهادة شرف واستقامة من الخواجة متى حاروم في صيدا.
Página desconocida