يقاطعه بحدة: الجامعة مسئولة عمن؟
يقول باختصار: عني. - أنت من؟
يردد بتأن اسمه الثلاثي، مسبوقا بلقبه العلمي، متبوعا بالمركز الذي يحتله.
يخبط الرجل على المائدة بقبضة يده، تدنو ملامحه تماما من موظف البلدية، بل إن الرائحة المنبعثة بالحجرة تعيد إليه فراغ المكان الآخر. - أثبت لنا ذلك. - ماذا أثبت؟ - أنك من دعوناه ...
يتطلع مباغتا مفاجا ... يؤكد الجامعي: نعم ... أثبت لنا أنك أنت أنت.
الرواية مع ذلك ليست فقط شبكة العلامات والرموز التي يمكن أن يؤولها كل قارئ بشكل مختلف، الرواية هي حالة حميمية من تداعي الأحداث والصور، التي تتدفق بسلاسة ومتعة، تشبه رواية الغيطاني الأسبق «التجليات» من هذه الزاوية فقط، لكنها تختلف عنها في البنية التي اتخذت الذات فيها شكلا ملموسا صلبا مركبا من شتات صور ومدن بقيت في الذاكرة، ربما بنفس الشكل الذي يقوم به الحلم بتجميع ودمج أحداث وأشخاص متباعدين في حدث واحد، وكما يقوم أيضا بتفريق الذات على عدة أجسام تمثل جوانب متفرقة من الإنسان.
تحسين القبيح وتقبيح الحسن
1
لأبي منصور الثعالبي كتاب طريف في موضوعه، سماه «تحسين القبيح وتقبيح الحسن»؛ في هذا الكتاب يجمع الثعالبي بعض ما نسب إلى البلغاء في تحسين ما تم التعارف على قبحه، وتقبيح ما تم التعارف على حسنه. يقول هو عن موضوع هذا الكتاب في مقدمته: «وما أراني سبقت إلى مثله في طرائف المؤلفات وبدائع المصنفات.» ويبرر اهتمامه بالتأليف في هذا الموضوع بقوله: «إذ هما غايتا البراعة، والقدرة على جزل الكلام في سر البلاغة، وسحر الصناعة.»
يقول فيه عن الكذب مثلا: «قال ابن التوءم: الكذب في مواطنه كالصدق في مواضعه، ولكن الشأن فيمن يحسنه، ويعرف مداخله ومخارجه، ولا يجهل تزاويقه ومضايقه، ولا ينساه بل يحفظه. ومعلوم أن من أجل الأمور في الدنيا الحرب والصلح، ولا بد فيهما من الكذب؛ أما الحرب فهي خدعة، كما قال عليه الصلاة والسلام، وأما إصلاح ذات البين فالكذب فيه محمود؛ لما فيه من الصلاح، وقد رخص فيه السلف. ولا خلاف في أن الشعر ديوان العرب ولسان الزمان، وأحسنه أكذبه، وكذلك الكتابة لا تحسن إلا بشيء منه، وقد جاء في المثل: «أظرف من كذوب.» وقال الأعشى:
Página desconocida