1
لأنه يمكن لي أن أدرك العمل الفني وأصف جميع نواحيه أو عناصره الحسية عاديا، كما أن العالم يصف الأشياء المادية لا جماليا، مثلا، عندما أقرأ «أنا كارنينا»
Anna Karenina
لتولستوي كحكاية فإنني لا أدركها جماليا، بل أختبرها في هذه الحالة كقصة، كتاريخ، لا كعمل فني. يشدد بل على أن الانفعال الجمالي ليس انفعالا جاهزا أو معطى أشعر به كلما اختبرت عملا فنيا، أو أن جميع الأعمال الفنية تثير فينا نفس الانفعال الجمالي عندما نختبر هذه الأعمال. كلا، إن الانفعال الجمالي هو نوع خاص من الانفعال؛ هو ذلك الانفعال الذي تثيره الأعمال الفنية بوصفها فنا؛ فالعمل الفني يمكن أن يثير فينا مشاعر وانفعالات مختلفة؛ أخلاقية، دينية، اجتماعية، سياسية، رومانسية، جنسية ... إلخ، ولكن الخاصة التي تميز العمل الفني كفن هي أنه يثير فينا انفعالا جماليا، يتميز هذا الانفعال عادة بالمتعة والانفتاح الخيالي والحدس المعرفي والنشوة، وبنفحة من الدفء الإنساني والأمل والعزة، وبمشاعر إنسانية أخرى يصعب علينا تسميتها، ويعتمد عمق وقوة وغنى الانفعال الجمالي على عمق وقوة وغنى الصفة الجمالية الكامنة في العمل الفني.
والآن ما هي هذه الصفة التي تثير الانفعال الجمالي؟ يقول: بل إنها «الشكل الدال»
significant form ، الشكل الدال هو الكيف الذي يميز الأعمال الفنية عن الأعمال العادية أو اللافنية، وهذا يعني أن العنصر المشترك بين جميع الأعمال الفنية التي تختلف عن بعضها البعض بالشكل والمادة هو امتلاك الشكل الدال. ماذا يعني بل ب «الشكل الدال»؟ إن ما يعنيه هو نمط، طريقة، أسلوب تنظيم العناصر الحسية للعمل الفني. كل عمل فني يمثل تشكيلا «فريدا»
unique ، إن طريقة هذا التشكيل الخاصة - وبإمكاننا القول المبدعة - هي التي تثير فينا الانفعال الجمالي، وعندما نتكلم عن الشكل الدال نعني جميع العناصر الحسية التي تدخل في تنظيم الشكل؛ الألوان والخطوط وعناصر اللمس والصوت والسمع والحركة، لا يمكن فصل هذه العناصر عن طريقة تشكيلها؛ فالعناصر الحسية جزء من الشكل كشكل؛ ولهذا يجوز لنا القول بأن الكيفيات الجمالية الكامنة في العمل الفني كالرقة والأناقة والمأساة والنعومة والجلالة والرعب والهيبة ... إلخ، توجد في العمل على مستوى الكمون وتنبثق من العلاقات الدينامية التي تكون الشكل الدال أثناء التجربة الجمالية.
كما نرى، يفصل بل بين الشكل الدال و«التمثيل»
representation ، ويشير التمثيل عادة إلى موضوع أو مضمون العمل الفني، الموناليزا، مثلا، تشكيل من الألوان والخطوط، ولكنها بالإضافة إلى ذلك موضوع، وهذا الموضوع يمثل وجه امرأة، والعنصر الذي يميز هذا العمل كفن ليس التمثيل بل الصورة الدالة أو الشكل الدال؛ أي نمط حبك الألوان والخطوط مع بعضها البعض، وهذا يعني أنني أختبر هذه اللوحة جماليا عندما أركز انتباهي الجمالي على الشكل، على طريقة الألوان والخطوط وتشابكها مع بعضها البعض، لا على التمثيل؛ أي على وجه المرأة وعما إذا كان رزينا أو تأمليا أو استهزائيا أو تهكميا أو لطيفا أو متواضعا أو واقعيا، وحتى الإشارة إليه تحبط إمكانية الخبرة الجمالية أو تصرف النظر عن البعد الجمالي للوحة. ليست اللوحة الفنية صورة تحاكي جانبا من الواقع الطبيعي أو الإنساني، ولو أن هدف الفنان محاكاة الواقع لكان من الأفضل له أن يستعمل آلة التصوير؛ فهي تعطي صورة أصدق للواقع من لوحة الفنان، الغاية من اللوحة الفنية إذن ليست محاكاة الواقع أو نقل رسالة سياسية أو دينية أو معرفية أو أخلاقية أو ثقافية معينة، ولكن كما يقول: بل في «الفرضية الميتافيزيقية» التعبير عن معنى إنساني معين؛ فالشكل الدال يعبر عن هذا المعنى، ومقدرته التعبيرية على هذا النحو هي التي تثير فينا أنواعا معينة من الانفعالات الجمالية، والفنان هو العقل الخبير في اكتشاف هذه الأنماط.
ومن ناحية أخرى، يرى بل أن العمل الفني موجود مستقل بذاته، عناصره متكاملة، ودلالته الشكلية تنجم عن هذا التكامل؛ ولهذا فعندما نركز انتباهنا على التمثيل فإن هذا التركيز يصرفنا عن البعد الجمالي للعمل، قد يكون سبب الاستمتاع بالموناليزا سببا معرفيا أو أخلاقيا أو نفسيا أو اجتماعيا أو تاريخيا أو تقنيا، ويعتقد بل أنه يمكن للعم الفني أن يرضينا في أي من هذه المجالات التجريبية، ولكن ها النوع من الرضا ليس جماليا.
Página desconocida