وإذا كان بعض كبار شعرائنا المعاصرين كشوقي وعزيز أباظة قد كتبوا بعض المسرحيات الشعرية، فإن محاولتهم قد استهدفت للكثير من النقد على الرغم من قوة الشاعرية، كما أن نجاحها المسرحي ظل محدودا. •••
وأخيرا هناك فن الشعر الغنائي، وهو شعر القصائد والمقطوعات، وهو إذا كان قد اتخذ عند العرب صورة محدودة ثابتة هي القصيدة ذات الوزن الواحد والروي الواحد والقافية الواحدة والمستقلة الأبيات؛ فإنه قد اتخذ عند الغربيين منذ القدم صورا وأشكالا متباينة، وكان لكل صورة تركيبها الموسيقي الخاص، كما ارتبطت بعض التركيبات الموسيقية بالأغاني الشعرية المختلفة؛ فلأغاني الحماسة والنصر مثلا تركيب موسيقي يختلف عن أغاني الغرام أو أغاني الرعاة أو الأغاني الريفية، وإذا كانت النزعة الذاتية قد غلبت على الشعر العربي فإن الشعر الغنائي عند الغرب قد جمع بين الذاتية والموضوعية، بل إن هناك من القصائد التعليمية الطويلة ما يرتفع إلى ذرى الشعر، كقصيدة «الأعمال والأيام» لهزيود اليوناني، وقصيدة «طبيعة الأشياء» للوكريتوس الروماني، وذلك بفضل خصائص صياغتها الشعرية.
هذا والملاحظ أن الشعر الغنائي كان يتغنى به فعلا في فجر الإنسانية سواء عند العرب أو الإفرنج، وكلمة
Lirigue
الغربية مشتقة من كلمة
Lyre ؛ أي «عود». وفي موسوعة الشعر العربي وهي كتاب الأغاني نجد المؤلف يورد المقامات الموسيقية الخاصة لكل قصيدة وإن تكن اصطلاحاته قد أصبحت بالنسبة إلينا طلاسم ليس من السهل حلها، وإذا كان هذا النوع من الشعر قد تطور في الشرق والغرب من الغناء إلى الإنشاد بل وإلى القراءة الصامتة، فإن العنصر الموسيقي المتمثل في الوزن والإيقاع والانسجامات الصوتية لا يزال بالغ الأهمية في هذا الشعر، بل وأخذت أهميته تزداد في أواخر القرن التاسع عشر حتى رأينا الرمزيين يقولون إن الشعر موسيقى قبل كل شيء، وإن العنصر الموسيقي فيه يبذ في الأهمية المعاني والعواطف والصور الشعرية ذاتها باعتبار أن الموسيقى هي أقوى أداة للإيحاء، والشعر عندهم إيحاء أكثر منه تعبيرا لغويا صريحا واضحا.
هذا، والملاحظ كما سبق القول أن فن الشعر قد أوشك في العصر الحاضر أن ينحصر في هذا النوع الغنائي بعد أن اختفى شعر الملاحم، وبعد أن حل النثر محل الشعر في الأدب التمثيلي.
وبعد الفراغ من هذا الاستعراض السريع لتطور فنون الشعر، ننتقل إلى استعراض مماثل لتطور فلسفة الفن عامة والشعر بخاصة؛ لنرى كيف ساير التطور التاريخي السابق.
التطور الفلسفي
الكلمات التي يسمى بها الشعر في اللغات الأوروبية الحديثة مأخوذة كلها من الكلمة اليونانية القديمة
Página desconocida