48

El Arte de Vivir

فن الحياة

Géneros

ولست مع ذلك أنكر قيمة النسك والزهد، ولكنهما يجب أن يكونا وسيلة وليسا غاية؛ أي إننا ننسك ونزهد ونعتكف كي نستجم ونعود إلى الاختبارات الفنية والذهنية والعاطفية؛ أي نعود بقوة متجددة. وكذلك يجب أن نمارس العفة؛ حتى نسمو بالتعارف الجنسي إلى مستوى من التأنق والفن يرفعنا عن التبذل الرخيص للعاطفة، فنضع الوجدان والتعقل مكان الغريزة الغشيمة؛ فلا تكون العلاقة الجنسية نهبا وخطفا، بل تأملا وحبا ، فنتحدى الجمال بوجداننا في فن وتفكير إذا تحدى غرائزنا هو في إغراء وإغواء.

والحياة المليئة تحتاج - كما يجب أن نكرر - إلى وفرة الاختبارات، ومعنى هذه الوفرة أن نعيش لنتعلم وندرس الكتب والطبيعة والمجتمع، ونهتم بالسياسة والاقتصاد والتطور البشري، نهتم بها جميعا متفرجين وعاملين، ونعيش فيها بروح الابتكار والتساؤل والاستطلاع؛ حتى نفهم ويستيقظ ذكاؤنا، وتستفيض شبكة المركبات الذهنية في القشرة الرمادية المخية، وإذا ذكرنا البخل فلا نذكره بشأن الحرص على المال فقط، وإن كان هذا أفشى مظاهره؛ لأن أسوأ ما في البخل نزوعنا فيه إلى التبلد والاعتكاف الذهني والعاطفي وكراهة الاختبارات؛ فهو لا يعيش ملء حياته.

والحياة المليئة تحتاج إلى التفاؤل بالدنيا والمستقبل، وإلى السخاء، وإلى دوام الاستطلاع والنمو.

الهواية

فراغنا يزداد، وسيزداد في المستقبل أكثر فأكثر، وسيكون ملؤه أو الانتفاع به من أعظم المشكلات في التعليم والتربية، بل سوف تكون الغاية الوحيدة من التربية هي الانتفاع بالفراغ؛ أي كيف نعيش 12 أو 15 ساعة كل يوم بلا عمل كاسب. أما التعليم الحرفي فلن تكون له هذه الأهمية.

وفي عالمنا الحاضر طبقة من الأثرياء تعيش في فراغ كامل أو تكاد؛ لأن وسائل العيش الممتاز موفرة لها؛ إذ إن أفرادها يستغلون أفراد الطبقات الأخرى. ولكن عندما نتأمل الطرق التي تتبعها هذه الطبقة الممتازة في قضاء فراغها أو استغلاله، نجد أنها ليست مما يغري؛ فإن سباق الخيل، وصيد الحمام، والصيد بالقنص في مطاردة الثعالب أو الأرانب، وقضاء الليل في المقامرة أو العربدة الجنسية أو الكئولية. كل هذا أو أشباهه لا يدل على أن هذه الطبقة المترفة الممتازة قد عرفت شيئا يمكن أن يوصف بأنه «فن الفراغ»، بل هو يدل على أن هذه الطبقة لا تطيق فراغها، ولا تستخدمه إلا على سبيل الفرار من الوقت بقتل الوقت.

وتطور الآلات، والزيادة في الإنتاج، وتوافر الضروريات لكل إنسان، ثم توافر الكماليات في المستقبل، ستجعلنا جميعا في شبه تعطل؛ لأن طرق الإنتاج العلمية التي لا مفر من استخدامها في العالم كله قريبا ستوفر للإنسان حاجاته بأقل الجهد في أقصر الوقت؛ ولذلك سنجدنا جميعا معطلين فارغين معظم النهار والليل نحتاج إلى ما يشغلنا، فإذا لم نجد المفيد الذي يرفعنا ويرقينا عمدنا إلى المضر الذي يحطنا.

بل نحن، قبل أن نفكر في المستقبل، نجد أن حاضرنا يوفر لنا، أو بالأحرى لبعضنا من أعضاء الطبقة المتوسطة، فراغا يترجح بين أربع وعشر ساعات كل يوم، فيجب أن نملأه، وأن نتعلم كيف نملأه. وعند الإنجليز كلمة «هوبي» لما نسميه بالعربية: «الهواية»؛ أي العمل نعمله للذة فقط لا نبغي منه كسبا، وعندما نملأ فراغنا بهواية نجد في الفراغ تخفيفا، بل معالجة للتوترات التي نستجيب بها حانقين مرهقين لمصادفات الحياة المعاكسة المناوئة. وكلنا يعرف أن الحركة والنشاط والعمل، كل هذه تخفف التوترات وتفرج عن العواطف المكظومة. فإذا كانت الحركة في عمل محبب تتجه إليه الإرادة في نشاط حتى تستحيل إلى حماسة، فإن الاتزان النفسي الذي ربما يتزعزع من إرهاق العمل الحرفي يعود إلينا فنستأنف هذا العمل مرتاحين مستجمين.

لهذا السبب يجب أن يكون لكل منا هواية، وأن نعلم أولادنا وهم في الطفولة والصبا كيف يشغلون فراغهم، وأن ننفق بسخاء على ما يحتاجون إليه لشغله؛ وذلك لأن فراغهم في المستقبل سوف يزيد على فراغنا نحن، وسوف يثقل عليهم - لهذا السبب - أكثر مما يثقل علينا.

وعلى القارئ أن يقصد إلى إحدى المكتبات في القاهرة، ويطلب إحدى المجلات التي تعالج الهوايات، واسمها «هوبيس»، وهي في الأغلب إنجليزية. ومن هذه المجلات يستطيع أن يستنير، وأن ينتفع أو ينفع أولاده.

Página desconocida