ترى مما تقدم أننا لا نستطيع أن نتوغل في الماضي بلا نهاية؛ لأن نواميس المادة تمنع هذا التوغل، ومهما توغلنا فلا نستطيع أن نتملص من تصور قوة قصوى بدأت الوجود، ولكن هل هذه «القوة القصوى» هي نفس القوة التي كتبت بأصبعها لوحي موسى الحجريين، وهي التي قست قلب فرعون على موسى وشعبه؟ لا نستطيع أن نتصور إلا أن هذه القوة القديرة الغامضة السر أودعت في الحيز الكوني مادة السدم مشفوعة بقوى التجاذب والدوران، ومن ثم شرعت ذريرات المادة تتحرك بهذه القوة، وبتحركها صارت تتألف في كتل، ثم صارت تتطور على نحو ما تبسطنا به.
فلو تصورنا أن ذريرات المادة متفرقة في الفضاء المقدر لها تفرقا متساويا في كل ناحية لكان في كل سنتيمتر مكعب منها جزء من 15 وإلى اليسار 37 صفرا ثم علامة الكسر العشري إلى اليسار؛ ذلك من الجرام، بحسب حساب العلامة هوبل.
وإن تصورنا أن المسافات بين كل واحدة والأخرى من الذريرات الأيثرية متساوية، فقوة التجاذب بينها متوازنة، ولذلك تبقى ساكنة، فلا بد من قوة أجنبية عنها تحركها لكي يختل هذا التوازن إذ يصبح بعضها أقرب إلى بعض، وعندئذ يحدث التجاذب فتتكتل المواد وثم تتكون الأجرام. انظر
الفصل الأول
في «التجمع»، وانظر أيضا الفصل التاسع «تطور الكون» من كتابنا «فلسفة التفاحة أو جاذبية نيوتن».
ما هي الغاية القصوى؟
بعد كل هذه الفلسفة نسأل: ما الغاية القصوى من كل هذه الضجة أو «الهيزعة» الكونية التي تطويها الأحقاب والدهور ولا تنتهي؟ نترك هذا الموضوع لفيلسوف يؤلف فيه كتابا ضخما. والسلام على من اتبع الهدى.
الفصل الرابع عشر
في ما وراء الوجود المادي1
موضوع كتابنا هذا هو الوجود المادي. بقي أن نسأل: هل يوجد وجود آخر غير مادي كما زعم بعض المفكرين المتبحرين المتفلسفين؟ فلنر. (1) الروح وعالم الأرواح (1-1) بماذا نحس
Página desconocida