عالم المادة المؤلفة من الفوتون - أو فوتون الأيثر - والشاغلة حيز الكون وزمانه.
والثاني:
عالم الحياة الشاغل ما بين سطح الأرض والجلد - الهواء.
والثالث:
عالم العقل الذي هو حركة خصوصية من حركات الحياة.
والآن نرى عالما أعلى، هو عالم العقل الاجتماعي.
إذا كان العقل تاج الحياة، فالعقل الاجتماعي هو قمة هذا التاج.
كما أن العقل الفردي هو نتيجة تركب الحركات الحادثة في ملايين خليات الجهاز العصبي المتوافقة في اتجاه واحد لغاية واحدة، هكذا العقل الاجتماعي هو تركب الحركات الحادثة في ملايين الأفراد المتوافقين في اتجاه واحد لغاية واحدة.
ليس المقام مقام بحث في أنظمة الاجتماع البشري، ولكن دارس علم الاجتماع - والمطلع على مجلدي «علم الاجتماع» اللذين أصدرناهما بهذا العلم منذ بضع سنين - يفهم أن المراد بالعقل الاجتماعي هو اشتراك الجمهور في عقيدة دينية أو رأي سياسي أو في زي واحد أو تقليد واحد، بحيث يسددون جميعا أفعالهم إليه، وهذا يستلزم أن تكون عقيدتهم الفردية قد صيغت في قالب واحد تقريبا، كأنهم يفتكرون فكرا واحدا، ويشتهون غاية واحدة، ويتعاونون في الحصول عليها، لذلك ترى أنه إذا صدرت فكرة من مركز واحد رئيسي كحكومة أو سلطة دينية أو جمعية أو حزب، أو شبه رئيس كزعيم أو عالم أو ذي فن أو مخترع أو نابغة مبتكر؛ إذا صدرت من أي مركز كهذه المراكز حركة نظام أو رأي أو بدعة أو فن جديد؛ انتشرت حركة هذه الموجة على جميع العقول الفردية، وهزتها كلها هزة واحدة، وطبعت فيها الفكرة نسخا متعددة كما تطبع عبارتها على الورق، فكأن الفكرة فكرة عقل جماعة.
يستفاد مما تقدم أن العقل الاجتماعي هو مجموعة عقول فردية مصوغة صياغة واحدة في بيئة واحدة، تتحرك معا في اتجاه واحد كما تتحرك ملايين ذرات المادة معا في جرم واحد حول مركز واحد بسرعة واحدة؛ لارتباط جاذبي فيما بينها وبين المركز؛ فالفكرة أو الرأي الاجتماعي هو المركز الذي تحوم من حوله عقول الجماعة بقوة جاذبية ذلك الرأي لها، وانتشار الفكرة الصادرة من مركز عبقرية أو زعامة إلى الأفراد هو كانتشار الموجة في الجو الجاذبي إلى جميع الجهات، بحيث يصدم كل عقل يصيبه فيحركه ليدور حول الفكرة نفسها.
Página desconocida