فعملية التحول الخلوي - نسبة إلى خلية
1 - دائمة في كل عضو من أعضاء الجسم، ودائمة على الأكثر في خليات الدماغ، ففي كل لحظة تتجدد جزيئات في الخليات وتندثر جزيئات وتتأين ذرات أيضا؛ فلا يستحيل أن تصدر الخليات من تلقاء نفسها تفكيرا، والتفكير يتسلسل سلسلة لا تنقطع إلا بطروء طارئ، كما أن التحول الخلوي سلسلة لا تنقطع، وكل حلقة من السلسلة تستوجب صدور حلقة أخرى تليها ؛ فمتى ابتدأت سلسلة التفكير في اتجاه خاص تفضي أخيرا إلى الغاية، وهي حل المسألة أو تكوين الفكرة.
وتصور أيضا شخصا فنيا شاعرا أو مصورا يستنبط شيئا فنيا جميلا. فخليات دماغه الفنية تتحول على التوالي تحولات تنتج حركة فكرية فنية على نحو ما وصفناه، لذلك ترى ذا الفن كيفما فكر كان الغالب في تفكيره فنيا؛ لأن جانبا من خليات دماغه تهيأ على تمادي الزمن لإصدار الفكر الفني، إلا متى كان المحرك صادرا من الخارج، فيشغل الخليات الأخرى لإصدار الفكر الملائم. (5) القوى العقلية العليا
التفكير الداخلي المحض طبقة عليا من العقل، تستنبطه الخليات من تلقاء نفسها، بمجرد تحولاتها الذاتية الفسيولوجية، حسبما تعودت بفعل الطوارئ الداخلية كالتدريب والتهذيب، فضلا عن الشعور الحسي والنوابض النفسانية المحرضة. لهذه الطبقة العليا من التفكير الفلسفي والتفكير الفني أعمال عجيبة تضع العقل تاجا على رأس الحياة، كما أن الحياة تاج على رأس المادة «الكربونيترأوكسيهدروجينية».
فنظريات الفلاسفة والعلماء المستنتجة من ظاهرات الطبيعة هي حجار كريمة في ذلك التاج، وكذلك الفنون الجميلة البارزة في الشعر والرسوم ونحوها هي جواهر أخرى فيه، حتى جميع ظاهرات التمدن في سائر أدواره هي جواهر أخرى فيه أيضا؛ فما أعظم العقل؛ العقل الذي ألبس سطح الكرة الأرضية حلة بهية مزركشة من معالم المدنية، تذهل العقل الفردي بجمالها وأساليبها التي لا تحصى، حلة بديعة جعلت هذا السيار الأرضي يفتخر على جميع سيارات الشمس، بل يفاخر جميع أجرام السماء بجمال له وليس لهن. (6) هل للعقل ذاتية قائمة بنفسها؟ «العقل وظيفة من وظائف الدماغ»
ليس الغرض في هذا الفصل البحث السيكولوجي، وإنما الغرض الأساسي تبيان أن هذا العقل السامي المتوج للحياة هو نتيجة ألفة كيماوية تتلاعب بعناصر أربعة في الدماغ تلاعبا متنوعا لا حد له، وإذا لم يكن العقل حركة «خليية» بفعل الألفة الكيماوية فماذا يكون؟
إذا كان العقل ذاتا مستقلة عن المادة، ولكنه حال فيها يستخدمها للاتصال بالطبيعة عن طريق الحس العصبي، وجب أن يبقى بذاتيته فيما لو عجزت المادة الدماغية عن خدمته لسبب من الأسباب، يجب أن يبقى له على الأقل تفكيره وتعقله وتذكره إلى غير ذلك، مما لا يحتاج فيه إلى خدمة المادة الدماغية؛ فلماذا تتعطل خواصه هذه بتاتا وتقف قواه عن العمل في حالة النوم العميق مثلا أو في حالة التخدير؟
قد تقول: إنها لا تتعطل بل تبقى عاملة عملها، بدليل حدوث الأحلام في المنام، فإذا كان النوم عميقا فلا يتذكر المرء أحلامه متى صحا ... ولكن ما قولك فيما إذا تخدر الدماغ بمخدر فلا يبقى إحساس ولا تفكير، فأين يكون العقل حينئذ؟ ولماذا ينقطع عن التفكير بتاتا؟
في حالة السكر والجنون المطبق يكون الكلام خاليا من الوزن والتعقل والمنطق - يكون هذيانا، فإذا لم يكن العقل حركة فكرية صادرة من تحولات خليية، فلماذا يختل بفعل الخمر وأمراض الدماغ الجنونية إذا كان مستقلا عن المادة الدماغية؟
يقودنا الموضوع إلى مسألة الروح باعتبار أنها وعاء العقل - إذا صح قول المعتقدين بها - وأنها ذات مستقلة عن المادة تنفصل عنها عند الموت، فأين تكون الروح في حالة الغيبوبة، أو في حالة السكر والعربدة؟ وكيف تعود إلى مقامها في الدماغ متى انقضت الغيبوبة؟ ولماذا لا تتذكر أفعالها في حالة العربدة؟
Página desconocida