وإذ ليس على برامج المصلحين الوجدية أن تبالي بما يسود العالم من ضرورات فإنها تكون زاخرة بأكثر الآمال إغواء، وهي تنطوي على بيان عن السلم والاتفاق ونزع السلاح وتساوي الثروات والأحوال، مع عدم اكتراث للحقائق الاقتصادية التي تقيد الحياة الحاضرة بالتدريج تقييدا وثيقا.
ويحرك الزمن الحاضر تحريكا عنيفا بما بين العوامل الوجدية التي تقهر الروح البشرية دائما، ومقتضيات الاقتصاد التي تنشأ عن تقدم العلم من تناقض، ولا مراء في حلول الأوهام السياسية محل الوهام الدينية، ولكن كلا منهما يصطدم بذات المصاعب التي تنشأ عن تقدم المعرفة بالكون.
وفي كل يوم يعظم الحقيقي الذي هو وليد العلم من غير أن يقدر على القيام مع ذلك مقام غير الحقيقي الذي يحتاج القلب إليه، ولا ريب في أن العاملين الكبيرين: العلمي والديني اللذين يوجهان حياة الناس، سيدومان دواما متوازيا زمنا طويلا.
أجل، إن المعارف العلمية غيرت ناحية الحضارات المادية تغييرا عميقا، غير أن المعتقدات الوجدية دينية كانت أو سياسية ظلت قادرة وحدها حتى الآن على إيجاد اتحاد المشاعر والأفكار الضروري لثبات الذاتيات الجمعية. ولا شك في أن ختام ما بين الحقيقي وغير الحقيقي من صراع عظيم لا يزال يهز العالم سيكون مبدأ حضارات جديدة.
الفصل الخامس
العادات والأخلاق والتربية
مهما تكن العوامل الأولى لتطور الأمة، سياسية كانت أو دينية أو اقتصادية أو غيرها، لا تؤثر تأثيرا عميقا إلا بعد أن تحول إلى عادات غير شعورية يعود البرهان غير مؤثر فيها، وللعادات سلطان لا يقاوم، وذلك لأن الفرد الذي يزعم أنه يتفلت من تأثيرها لا يلبث أن يرى عدوا له جميع الزمرة التي ينتسب إليها، أجل، يمكن أن تتحول ولكنها تكون ذات سلطان مطلق في أثناء دوامها، وتكفي قوة الموضة
1
التي لا تتجلى في اللباس فقط، بل أيضا في كثير من عناصر الحياة الاجتماعية، فنية كانت أو ذهنية، لإثبات أهمية هذه المناحي الجماعية في حياة الأمم.
وتعد العادات من العوامل الأساسية في استقرار المجتمعات، فالأمة لا تخرج من الهمجية إلا بعد أن تخضع لنير العادة، وهي تعود إليها منذ فقدان عنصر الاستقرار هذا لقوته.
Página desconocida