Filosofía de la historia según Vico

Catiyyat Abu Sucud d. 1450 AH
44

Filosofía de la historia según Vico

فلسفة التاريخ عند فيكو

Géneros

16

كان هذا هو القانون الذي يحكم تطور الشعوب والأمم والذي استخلصه فيكو من دراساته للبدايات الأولى للحضارتين اليونانية والرومانية. وسنفرد الفصل التالي لهذه الدراسات لنرى كيف نشأ التاريخ البشري وكيف تطور، وكيف كانت النشأة التاريخية نشأة شعرية سماها فيكو الحكمة الشعرية. وإذا كان لنا أن نعقب في هذا الموضع بكلمة قصيرة عن قانون تطور الأمم فإننا نقول إن فيكو قد اعتمد على القانون الروماني اعتمادا كبيرا كما رأينا، واستشهد بالكثير من نصوصه ومواده خاصة في نظام الملكية والوراثة وتحديد الوريث في الوصية ... إلخ، وتابع بالتفصيل تطور القوانين، ولقد بالغ فيكو مبالغة شديدة في الاستشهاد بالقانون الروماني إلى الحد الذي يستحيل معه متابعة أفكاره ما لم يكن الباحث على دراية كاملة بالتاريخ الروماني وإلمام واف بالقانون الروماني أيضا، بل إن اهتمام فيكو بالقانون الروماني قد بلغ حدا أبعد من هذا في محاولته البحث عن قوانين مشابهة لهذا القانون - كقانون الألواح الاثني عشر - في بعض الحضارات الأخرى مثال ألمانيا وفرنسا.

لهذه الأسباب لا يستطيع الباحث أن يضع يده بسهولة على قانون تطور الأمم؛ إذ يتحتم عليه أن يستخلصه من ثنايا التفاصيل الكثيرة التي تكاد تضيع فيها المعالم الرئيسية لفلسفة فيكو في التاريخ. وقد حاولنا في هذا الفصل أن نستخلص قانون تطور الإنسانية في التاريخ من شوائب التفاصيل التي علقت به واستبعاد الكثير من الحواشي التي لا تمس الأفكار الأساسية للعلم الجديد، وسنعود بإذن الله إلى هذه المسألة وغيرها من المسائل في خاتمة البحث.

الفصل الثاني

مسار الأمم في ضوء الحكمة الشعرية

(1) المسار الأول للأمم

الحكمة الشعرية هي عنوان الكتاب الثاني من العلم الجديد، وهو الجزء الذي أفرده فيكو لمناقشة كيف أن مؤسسي الشعوب والنظم البشرية كانوا في الأصل شعراء مثل هوميروس، وحكماء كالمشرعين الذين أسسوا المدن الإغريقية مثل إسبرطة، ولا يشك فيكو في أن هؤلاء المؤسسين كانوا شعراء وحكماء بشكل ما، ولكن أي نوع من الحكمة كان عند هؤلاء الأقدمين؟ لقد كانت حكمتهم عملية جعلتهم يوجدون النظم الاجتماعية البشرية، وهذا هو مفتاح العلم الجديد الذي اكتشفه فيكو والذي حاول أن يثبت فيه أن حكمة القدماء كانت شعبية ولم تكن فلسفية، شعرية لا عقلية، عملية لا نظرية. كان الأولون من شعوب الأمم الأممية أبناء الجنس البشري يخلقون أشياء مطابقة لأفكارهم ، ولكن هذا الخلق يختلف عن الخلق الإلهي اختلافا متناهيا لأن الخلق البشري كان بالخيال المادي.

كانت الحكمة الشعرية هي البداية الفجة للعلوم والفنون كما كانت أيضا أصل جميع العلوم والفنون. ويؤكد العلم الجديد أن الأمم الأممية كانوا شعراء يتحدثون برموز شعرية، ويعرف فيكو الحكمة بأنها استعداد طبيعي أو ملكة عقلية تهيمن على كل ألوان المعرفة التي تؤلف ما يسمى بالإنسانية؛ فالإنسان بما هو إنسان يتألف من عقل وروح أي عقل وإرادة. ووظيفة الحكمة أن تحقق هذين الجانبين في الإنسان؛ فالعقل يهتدي إلى معرفة التنظيمات العليا، وعن طريق هذا العقل تختار الروح أفضل هذه التنظيمات. وأسمى التنظيمات هي التي تكشف عن عظمة الله وتحرص على خير الجنس البشري؛ فالنظم الأولى هي النظم الدينية، والثانية هي النظم الدنيوية، والحكمة تعلمنا معرفة التنظيمات الدينية لكي ترشد التنظيمات الدنيوية للخير الأسمى للبشر. بدأت الحكمة لدى الشعوب الأولى بالتنبؤ؛ فالحكمة القديمة كانت حكمة الكهان والعرافين، والحكماء الأوائل للشعوب القديمة كانوا شعراء لاهوتيين، وجدير بالذكر أن فيكو يميز بين ثلاثة أنواع من اللاهوت: «لاهوت شعري للشعراء اللاهوتيين، وهو بمثابة لاهوت مدني في كل الشعوب الأولى»؛ «ولاهوت طبيعي أو ميتافيزيقي ويرجع للفلاسفة»؛ «ولاهوت مسيحي وهو مزيج من اللاهوت المدني واللاهوت الطبيعي».

انعكست الحكمة الشعرية على كل علوم البشر، وظل معنى الحكمة هو معرفة الأشياء الطبيعية والإلهية أي الميتافيزيقا. وعلى هذا فالميتافيزيقا كانت لصالح الجنس البشري الذي تتوقف المحافظة عليه على الإيمان بإله يعنى بالبشر. وقد كانت الحكمة عند هوميروس هي معرفة الخير والشر، ثم كانت الحكمة عند العبرانيين والمسيحيين بعد ذلك هي العلم بالأشياء الأبدية التي يوحي بها الله، وهذا المعنى متصل بالمعنى القديم للألوهية أي يتصل بالتنبؤ، وانعكست الحكمة الشعرية كذلك على كل علوم البشر، فلما كانت الميتافيزيقا هي العلم الأسمى الذي تتفرع منه العلوم الثانوية الأخرى، وكانت حكمة القدماء هي حكمة الشعراء اللاهوتيين الذين كانوا الحكماء الأوائل للشعوب القديمة، وكانت الأصول الأولى للأشياء بحكم طبيعتها أصولا فطرية فجة، فلا بد لكل هذه الأسباب أن نرجع بدايات الحكمة الشعرية إلى نوع فطري من الميتافيزيقا؛ فالحكمة الشعرية نشأت من الميتافيزيقا الفجة، ومن جذر هذه الميتافيزيقا الفطرية نشأ فرع يحمل علوم المنطق والأخلاق والاقتصاد والسياسة، كما نشأ فرع آخر يحمل علم الفيزياء وهي أم علم وصف الكون وعلم الفلك. وهذا الأخير يضفي اليقين على علمين آخرين نشآ عنه هما علم التاريخ وعلم الجغرافيا، وغني عن الذكر أن العلوم السابقة كلها تتصف في تلك المرحلة بالصفة الشعرية.

ومن هنا نرى بوضوح كيف تصور مؤسسو النزعة الإنسانية للشعوب الأولى، كيف تصوروا الآلهة عن طريق الميتافيزيقا أي اللاهوت الطبيعي، وكيف اخترعوا اللغات عن طريق منطقهم، وكيف خلقوا أبطالهم عن طريق تصورهم لعلم الأخلاق، وكيف أسسوا الأسر عن طريق تصورهم للاقتصاد، ومدنهم عن طريق مفهومهم للسياسة، وكيف تصوروا بدايات الأشياء جميعا على أنها بدايات إلهية عن طريق مفهومهم لعلم الطبيعة، كما تصوروا أنفسهم كبشر من خلال تصورهم لعلم طبيعة الإنسان وأوجدوا لأنفسهم عالما بأسره من الآلهة عن طريق تصورهم للكون، ثم كيف أثر عليهم مفهومهم عن علم الفلك بحيث جعلهم ينقلون الكواكب من الأرض إلى السماء، ويحددون البدايات الزمنية عن طريق ما سموه بعلم التأريخ، وأخيرا كيف وصف الإغريق، على سبيل المثال، العالم كله وكأنه يقع داخل بلادهم مما يدل على تأثير مفهوم الجغرافيا على هذا التصور. بهذا يصبح العلم الجديد تاريخا لأفكار البشر وعاداتهم وأعمالهم، ومن هذه العناصر الثلاثة تكونت مبادئ التاريخ البشري التي هي مبادئ التاريخ العالمي التي يعتقد فيكو أنها كانت مفتقدة حتى اكتشفها بنفسه.

Página desconocida