Filosofía del Placer y el Dolor
فلسفة اللذة والألم
Géneros
عندما يقترن بالمنبه الذي يبعث أي فعل عكسي أصيل أو يتقدم عليه مرات عديدة أي منبه ثان، فإن هذا المنبه الثاني يحدث مع الزمن نفس الاستجابة
Response
التي كان يبعثها المنبه الأول في إحداث فعل عكسي متحول
Conditioned Reflex Action .
فإن سيل اللعاب فعل عكسي أصيل، لا يحدث أصلا إلا عند وجود الطعام في الفم، ومن ثم يحصل عند مرأى الطعام أو شم رائحته، أو عند حدوث أية علاقة أو إشارة تسبق مباشرة الأكل، وكل هذه الأفعال يدعوها پافلوف، الأفعال العكسية الأصيلة، على أنك تجد أن نفس الاستجابة (سيل اللعاب) واحدة في الفعل العكسي الأصيل والفعل العكسي المتحول، وأنه لم يجد في الأمر من شيء إلا المنبه
Stimulus
الذي يشترك أو يتحد مع المنبه الأصلي من طريق التجربة، وهذه القاعدة هي أساس كل تعليم أو استيعاب للمعلومات، وأساس الظاهرة التي كانت تدعى من قبل «تداعي أو اشتراك الأفكار» وأساس تعلم اللغات وأساس استحكام العادات، وعلى الجملة الأساس العملي لكل مناحي السلوك الإنساني الخاضع للتجربة.
بعد أن استرشد پافلوف بهذه القاعدة مضى يطبقها على ما يخطر بباله من ممكنات التطبيق، فإنه لم يقتصر على امتحان منبهات الطعام الشهي، بل عمد إلى الأحماض المكروهة، يأخذ منها منبهات يستعملها في تجاريبه حتى يستطيع أن يؤصل في كلابه استجابات «التوقي» كما يؤصل فيهم استجابات «التشهي». فبعد أن ينبه فعلا عكسيا أصيلا، يعمد إلى قمعه بفعل آخر، فإذا كانت العلامة أو الإشارة التي يعمد إليها تعقبها نتيجة مرغوب فيها طورا، ونتيجة مكروهة طورا آخر، فإن الكلب يصاب حتما باضطراب عصبي مثل الهستيرية أو النيروستانية، وتظهر عليه العلامات المميزة لأحد المرضين.
ويروي پافلوف رواية يجدر بكل المشتغلين بالتربية أن يحيطوا بها، فقد جرب في بعض كلابه تجاريب عديدة، فكان يرسم أمام كلب منها دائرة من الضوء اللامع عندما يعطيه الطعام، وإهليلجا (شكلا بيضيا تقريبا) عندما يقذفه بشحنة كهربائية، فاستطاع الكلب أول الأمر أن يميز تماما بين الدوائر والإهليلجات، فكان يسر بمرأى الأولى، ويمتعض من مرأى الثانية، فأخذ پافلوف يقلل شيئا بعد شيء من تفلطح الإهليلج حتى يظهر - تدرجا - أقرب إلى الدائرة، ولكن الكلب ظل قادرا على التمييز بين الاثنين، فلما زادت استدارة الإهليلج إلى درجة كبيرة، انقلبت الآية تماما، فقد حدث أنه كان يحاول أن يميز بينهما، ولكنه كان يخطئ دائما! واستمر على هذا أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ثم فقد كل قدرة على التمييز بين كل من الدرجات التي تدرج فيها من قبل، وحتى بين الإهليلج والدائرة جليين، وتغيرت أخلاقه وساء سلوكه، فكان بدلا من أن يقف ساكتا، أخذ يعربد ويعوي عواء شديدا، فأعاد عليه پافلوف الكرة في نفس التجربة، مبتدئا بها كما بدأها أول مرة، فكانت قدرة الكلب على التمييز بين الشكلين أضعف بكثير من المرة الأولى، وأخذت تصيبه نوبات العربدة والعواء، عندما أصبح التمييز بين الشكلين أكثر صعوبة بعض الشيء.
ولا شك مطلقا في أن حالات كهذه تتكرر كل يوم بين جدران المدارس وفي معاهد التنشئة، وإليها يرجع السبب في كثير مما يبدو على الطلاب من مظاهر البلادة والخمول، بله اضطراب الأعصاب في بعض الحالات، فإن كل طالب له استعداد خاص به يوجهه توجيها خاصا، فمنهم من يميل إلى اللغات ويمقت الرياضة، ومنهم من هو على عكس ذلك تماما، وهذا الاستعداد الذي كثيرا ما يلوكه المربون، ولا يدركون من سره شيئا، هو بعينه «الاستجابة» عند پافلوف؛ فإذا أخذنا المثل الأول من طالب يحب اللغات ويمقت الرياضة كان تعلم اللغات هو الدائرة البيضاء، وكان تعلم الرياضة هو الإهليلج في كلب پافلوف، فإذا فرض على هذا الطالب قسرا أن يجتاز امتحان الرياضة، كما يجتاز امتحان اللغات، وهو يعلم أن ذلك فرض عليه، كما يفرض پافلوف على كلبه طعاما شهيا عند ظهور الدائرة، وشحنة كهربائية عند ظهور الإهليلج، كانت النتيجة اضطرابا عصبيا يقل أو يزداد أثره بمقتضى الظروف، ولا أظن أن طالبا واحدا يفلت من هذا التأثير في معاهد التعليم قاطبة، ولكن النتائج تختلف باختلاف الأشخاص، ومقدار ما في أعصابهم من قدرة على تحمل هذه التجاريب القاسية، ولو كان التخصص في دور العلم يبدأ مع ظهور الاستعداد، أو بالأحرى الاستجابة في الطالب؛ إذن لاستطعنا أن نخلق أمة جديدة خلال جيل واحد، ناهيك بأن التخصص من مميزات العصر الحديث بل هي ميزته التي ندعي أنه يمتاز بها على العصور الفارطة، وناهيك أيضا بأن الطالب الذي لا يستجيب استعداده لفرع ما من فروع المعرفة، لن يفلح فيه أبدا، بل لا بد من أن يرتد إلى استجابته الأصيلة، بعد أن يكون قد فقد في أطوار تعليمه جزءا لا يستهان به من ملكاته الفطرية، فإن سبنسر كان مهندسا فارتد فيلسوفا، وولز كان عالما فانقلب أديبا، ودروين كان بليدا في استيعاب المبادئ فانقلب عالما طبيعيا فذا في تطبيق المبادئ واستكشافها، وإنما نقول إننا نقتل أولادنا ونحطم مستقبلهم كرجال، في معاهد التعليم بنظاماتها الحاضرة وبرامجها.
Página desconocida