Filosofía de la ciencia en el siglo XX: Orígenes, cosecha y perspectivas futuras

Yumna Tarif Khuli d. 1450 AH
61

Filosofía de la ciencia en el siglo XX: Orígenes, cosecha y perspectivas futuras

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Géneros

أما الفارق بين الحتمية العلمية وبين الجبرية اللاهوتية أو الأسطورية العتيقة فيتمثل في مبدأ العلية «السببية»، وهي المبدأ القائل: إن كل حدث لا بد له من علة أحدثته، والعلية مبدأ متوشج في الحس المشترك - أي تفكير الإنسان العادي - وأيضا في الفكر الفلسفي، لكنه اتخذ موقع العمود الفقري في العلم الحديث؛ لأن حتمية الظاهرة لا تعدو أن تكون العلة الكافية لحدوثها، فأصبحت مهمة العلم هي تعليل كل الظواهر وتحديد علة كل حدث. أما التسليم بحدث بغير علة فلا يعني إلا إنكار العلم به، وتتلخص قوانين العلم في أحكام علاقة العلة بالمعلول؛ لتتخذ جميعها الصورة المنطقية: إذا كان ... فإن ... دائما طبعا، مما يجعل الطبيعة متصفة بالاطراد

Uniformity ، أي حدوث أحداثها على وتيرة واحدة لا تتغير ولا تتذبذب، في الماضي كما في المستقبل. واطراد الطبيعة هو الذي يدعم القانون العلمي؛ لأن مجرد التفكير في البحث عن قانون يفترض قبلا أن الطبيعة مطردة منتظمة تخضع لقانون ما، نبحث عنه، وبفضل العلية وما تضفيه من اطراد على الطبيعة كان القانون العلمي ذا عمومية مطلقة فلا يحكم حالاته الواقعة أمامنا فحسب، بل كل الحالات المتماثلة التي حدثت في الماضي والتي ستحدث في المستقبل، وطالما هو قانون صادق فلا يشذ عنه شيء، وتغدو الضرورة تحكم الطبيعة بفضل العلاقات الداخلية بين أحداثها، بين العلة والمعلول، وتسير أحداث الكون في تسلسل علي، يجعله أشبه بالسلسلة المحكمة الحلقات، تفضي كل حلقة إلى - وفقط إلى - لاحقتها، مثلما نشأت عن - وفقط عن - سابقتها، فيغدو الكون نظاما مغلقا، مساره مرسوم منذ الحلقة الأولى أو اللحظة الأولى في تاريخه، كما ذكرنا؛ لذا تعد العلية صلب الحتمية العلمية أو وجها آخر لها، حتى إن المصطلحين - الحتمية والعلية - كثيرا ما يستعملان كمترادفين، العلية هي التي تؤكد نظام الطبيعة الحتمي وقانون تسلسل الأحداث فيه، الحدث السابق علة واللاحق معلول، فيتدفق الزمان في اتجاه واحد من مطلق الماضي إلى مطلق المستقبل. إنه الزمان المطلق والمكان المطلق، الثابتان لجميع الراصدين مهما اختلفت مواقعهم، وهما الخلفية الأساسية لفيزياء نيوتن، وعليهما كان قانون نيوتن الأول، قانون القصور الذاتي، الذي ينص أن كل جسم يبقى على حاله ما لم يؤثر عليه مؤثر خارجي، أي «قوة» هي تجسيد للعلية.

وكما لاحظنا تصور نظرية نيوتن الكون ككتل مادية تتحرك على سطح مستو عبر الزمان والمكان المطلقين، والميكانيكا هي علم حركة الأجسام. إذن فالكون بالتأكيد نظام ميكانيكي، وهذا التصور الميكانيكي للكون الذي رفعته نظرية نيوتن على رءوس الأشهاد هو التمثيل العيني لأنطولوجية الحتمية. والواقع أنه لا حتمية علمية بغير الميكانيكية، أي بغير النظر إلى الكون بكل محتوياته وعناصره وظواهره على أنه مترتب في صورة آلة ميكانيكية ضخمة مغلقة على ذاتها، من مادة متجانسة، تسير تلقائيا بواسطة عللها الداخلية، وتبعا لقوانينها الخاصة في مسار تفضي كل حالة من حالاته إلى الحالة التالية. وبعد أن وضع العلماء فرض الأثير، وهو وسط لا نهائي المرونة كثافته أقل من الهواء، افترضوه بوصفه يملأ كل الفراغات في الآلة الميكانيكية العظمى، بحيث يحمل الضوء والإشعاعات لتندرج بدورها في التفسير الميكانيكي، وبعد أن اكتشفوا أن المادة الحية مؤلفة من نفس الذرات التي تؤلف المادة الجامدة، وأنها بالتالي تخضع لنفس القوانين، وتصوروا أن الحياة أيضا ذات طبيعة ميكانيكية، وأن الإنسان لا يعدو أن يكون آلة ميكانيكية حية، وإن تكن أكثر تعقيدا، والعقل بدوره هكذا ... بعد هذا أيقن العلماء أنهم يستحيل أن يفهموا أي شيء بغير أن يصطنعوا له نموذجا ميكانيكيا، وأن التفسير الوحيد الممكن لهذا الكون، ككل وكأجزاء، هو التفسير الميكانيكي.

وجاء لابلاس عام 1814م؛ ليصوغ في مقدمة كتابه «مقال فلسفي في الاحتمال» أشهر صياغة للحتمية العلمية، ومؤداها أننا إذا استطعنا أن نجمع معلومات دقيقة عن كل الظروف، لأمكن استنباط الحالة اللاحقة للكون بكل دقة، والعقبة الوحيدة أننا لا نعلم كل الظروف والشروط في وقتنا الحالي، فإذا تصورنا عقلا فائقا يعرف كل القوى التي تعمل في الطبيعة والوضع الراهن لكل مكوناتها - أي يعلم كل تفاصيل الكون - فإنه يستطيع التنبؤ بمنتهى الدقة بوضع كل جسيم في كل لحظة، ولن يكون ثمة أي شيء غير يقيني بالنسبة له، سواء ما يختص بحركة أضخم الأجسام أو أصغر الذرات، أو الإنسان المحصور بين هذا وذاك.

ولا غرو أن يراود العلماء طموحات جامعة مانعة هكذا، ما دام كل شيء في هذا الوجود، الكوكب في السماء والفقاعة في الهواء، موج البحر وأديم الأرض، النبتة الصاعدة والحجر الساقط، القذيفة المنطلقة والجبل الراسخ ... كل ما تراه الأعين وتدركه الحواس لا تراه ولا تدركه إلا وهو يقدم فروض الطاعة والولاء لقوانين نيوتن الصارمة. وكل علم يقتفي أثرها ويسير بهدي إبستمولوجيتها يحرز النجاح تلو النجاح، فيعلو نسق العلم ويتعاظم ويتكامل، حتى بات حلم فرنسيس بيكون بالعلم الكامل الشامل لمجمل هذا الوجود قاب قوسين أو أدنى.

ولم يبق إلا عقد أو عقدان من السنين ليأتي القرن العشرون، وبدلا من أن تقبع هذه الطوبى العلمية الوردية في انتظاره، انفجرت قبيل مجيئه أزمة الفيزياء الكلاسيكية لتعصف بتلك الإبستمولوجيا الواثقة المتفائلة؛ ونظرا للموقع الريادي للفيزياء، تأزم معها العلم الحديث بأسره حتى أصوليات التفكير العلمي، فما هي تلك الأزمة؟

رابعا: أزمة الفيزياء الكلاسيكية

أزمة الفيزياء الكلاسيكية، أو أزمة العلم الحديث في القرن التاسع عشر تتلخص في ظهور وقائع وعلاقات فيزيائية في عالم التجارب العلمية، استحالت أن تنحصر في أطر تلك الإبستمولوجيا أو تبدي خضوعها هي الأخرى لقوانين الفيزياء النيوتينية - أي الفيزياء الكلاسيكية. فقد كانت تؤدي مهامها بنجاح تام حينما كانت مقصورة على الظواهر الميكانيكية، بيد أن العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر شهدت اقتحام الفيزياء لمجالات جديدة، منها مثلا العمليات الحرارية التي أدت إلى علم الديناميكا الحرارية، وتطور أبحاث الضوء والظواهر الكهرومغناطيسية التي كانت فاتحة علم الديناميكا الكهربية، في البداية أمكن إخضاعها لأطر الفيزياء الكلاسيكية بقوانينها وإبستمولوجيتها، ولكنها سرعان ما أفصحت عن حقائق أقضت مضجع الحتمية حتى أطاحت في النهاية بمقولاتها وتصوراتها التي رأيناها ركيزة العلم وإطاره، وكانت تبدو واضحة تماما للحس المشترك، ومن تلك الجبهات التي فتحتها الفيزياء الكلاسيكية على نفسها تسرب الهوينى إلى بنية العلم ما ينقض الحتمية الميكانيكية كتفسير لعالم العلم الكلاسيكي، وما أصاب إبستمولوجيته بالتصدع الذي يؤذن بالانهيار، وأصبح من الضروري التسليم بنظرية نيوتن والفيزياء الكلاسيكية بأسرها، لا كتفسير لطبيعة الكون وترسيم لطبيعة العلم، بل كمجرد حالة محدودة، في إطار معرفي - إبستمولوجي - مختلف تماما. من هنا كان القرن العشرون مرحلة جديدة من التفكير العلمي، أعلى وأكثر خصوبة وثراء بما لا يقارن، فكيف كانت تلك الأزمة قبلا؟

لأن قوانين الحفظ والبقاء

Conservation

Página desconocida