Filosofía de la ciencia en el siglo XX: Orígenes, cosecha y perspectivas futuras
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Géneros
والحق أن كتاب كراوثر المذكور، وإن كان يقف في مواجهة تطرف برنال اليساري، إلا أنه - أي «موجز تاريخ العلم» أو «قصة العلم» لكراوثر - يخلو من التحزب ويصعب دمغه ببطاقة سياسية أو أيديولوجية، ويمكن اعتباره أنموذجا للعرض المنهجي الشامل والسلس لتاريخ العلم كفعالية إنسانية، تنبع من استجابة الإنسان للتحديات البيئية ثم العوامل الاجتماعية التي ينبثق عنها العلم، في مثل هذا العرض لا بد وأن تبدأ قصة العلم المثيرة - تماما كما بدأت مع جون برنال - منذ ما قبل التاريخ، أي بإنسان العصر الحجري ليصل كراوثر في النهاية إلى اختراع الحاسب الآلي وغزو الفضاء واقتحام سر الحياة، فضلا عن أن يختتم الكتاب بنظرة مستقبلية هي بعض أحلام الإنسان التي يرجوها من العلم، وهي نظرة ما زالت تحتفظ بنضارتها رغم تسارع التطورات العلمية الراهنة.
وها هنا أكد كراوثر أن العلم أقدم عهدا من التاريخ؛ لأن معطياته الأساسية كانت أول ما تأمله الإنسان في العصر الحجري، والواقع أن رموز الأعداد - كما يؤكد كراوثر - اخترعت قبل اختراع حروف الكتابة مما يدل على أن التوجه العلمي متأصل في صلب أقدم مناحي الإنجاز الإنساني وفي بنية توجهه العقلي.
وإذا صح هذا فلا غرو أن أصبحت التقانة «التكنولوجيا» البدائية والعلم البدائي مواضيع دراسية متخصصة، يتكرس لها باحثون جادون ليخرجوا بنواتج جيدة، تفيد مباحث الأنثروبولوجيا، بقدر ما تفيد مباحث تاريخ العلم الراغبة في تأصيل موضوعها، بمعنى الوقوف على أصوله البعيدة؛ نشدانا لرؤية شاملة.
نذكر في هذا - على سبيل المثال - دراسة ممتازة اتخذت موضوعها قبائل الأزتك التي نزحت من الشمال واستقرت في هضبة المكسيك منذ عام 1267م، وحين اكتشاف الأمريكتين عام 1492م كانت قبائل الأزتك من أكثر الثقافات البدائية تكاملا في أمريكا الوسطى، على أنهم افتقدوا كثيرا من أوليات التقانة «التكنولوجيا» فكانوا لا يعرفون العجلة أو المحراث أو التقطير، ولا صهر المعادن والزجاج؛ لذلك اعتبرهم الباحث مرحلة بدائية جدا لم تصل حتى إلى العصر البرونزي، ومع هذا سيطروا على مشاكل تكنولوجية في بيئتهم بطريقة مدهشة، انطوت على كثير من أوليات الأفكار العلمية القابلة للتطوير، من قبيل التصورات العامة للتعاقب الزماني والأوزان والمقاييس وأوليات الحساب والهندسة والطب والجراحة والهيدروليكا وطبقات الأرض وأنواع الحجارة - أي الجيولوجيا - وقد عرفوا مجموعة محددة من المعادن منها النحاس، وأيضا الذهب الذي أطلقوا عليه اسم «المقدس» وظنوه الشمس مقابل الفضة التي هي القمر، ولكن نظرا لثراء بيئتهم بالنبات مقابل فقرها في أنواع الحيوانات، فقد اهتموا كثيرا بتصنيف النبات بالذات حتى امتلكوا في هذا قاموسا رائعا، وقد بذل الباحث جهدا مضنيا معتمدا على توصيفات الرحالة عبر التاريخ، وفحص الوثائق، بجانب الدراسة الميدانية، حتى إنه أتقن لغتهم «النيوتل»
Nahutl
ليعطي بلورة واضحة لأصول هذه البذور العلمية وتطورها،
8
وعن مثل هذه البذور، وعبر تاريخ الحضارة الإنسانية الطويل، كانت شجرة العلم التي تبدو الآن ريانة الغصون وارفة الظلال.
ولئن كانت التقانة «التكنولوجيا» البدائية ألحت كثيرا على الدراسات الأنثروبولوجية؛ لأن البيئة الإنسانية - بما هي إنسانية - تتأثر دائما بالأساليب الفنية التي يصطنعها الإنسان لتيسير التعامل معها،
9
Página desconocida