Filosofía de la biología: Una introducción muy corta
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
وفق هذا التفسير، تحدث عملية الانتخاب الطبيعي التي تفسر تطور صفة ما على مستوى الكائن الفرد. فالبقاء التفاضلي «لأفراد من الفهود» - حقيقة أن بعض الفهود أصلح للبقاء من غيرها - هو الذي يؤدي إلى التغيير التطوري. (بعبارة أخرى، «وحدة الانتخاب» هي الفرد.) هناك نقطة وثيقة الصلة وهي أن الصفة المعنية - سرعة العدو - تفسر من خلال الميزة التي تمنحها الصفة للفهد الفرد، لا لكيان أكبر مثل نوع الفهود بأكمله مثلا. إذن لو صح ذلك التفسير، فستكون تلك الصفة صفة تكيفية للفهود المنفردة.
في معظم الوقت، يهتم المتخصصون في علم الأحياء التطوري بالانتخاب والتكيف على مستوى الفرد كما في مثال الفهد. لكن نظريا على الأقل، توجد احتمالات أخرى. فالعالم البيولوجي منظم في تسلسل هرمي، تندرج فيه الكيانات البيولوجية الأصغر تحت كيانات أكبر. يقع الكيان الذي نطلق عليه «الكائن الفردي» في مكان بالقرب من منتصف هذا التسلسل الهرمي. دون الفرد، نجد كيانات مثل الخلايا والكروموسومات والجينات؛ وأعلاه، نجد كيانات مثل العائلات والمستعمرات والأنواع. وقطعا، يمكن أن يخضع العديد من هذه الكيانات نظريا للتطور الدارويني، إذ ينطبق عليها أحد أشكال التكاثر. مثلما تؤدي الكائنات الحية إلى نشأة كائنات أخرى، كذلك تفعل الجينات والخلايا والمستعمرات والأنواع. فأكثر أنواع الانتخاب الطبيعي شيوعا، النوع الذي ينطوي على منافسة انتخابية بين الأفراد، ليس هو النوع الوحيد الممكن.
دون مستوى الفرد، يمكن تمييز نوعين من الانتخاب. الأول هو الانتخاب من بين الخطوط الخلوية المختلفة خلال عمر الكائن الحي متعدد الخلايا، والمعروف باسم «انتخاب الخلايا الجسدية». يحدث هذا في الجهاز المناعي للفقاريات وأثناء نمو الجهاز العصبي وعند الإصابة بمرض السرطان. في تلك العملية، الخلايا هي الكيانات التي تتباين، ومن ثم تتكاثر بشكل تفاضلي، وتنقل سماتها إلى نسلها. هذا الانتخاب الذي يحدث على مستوى الخلية يلعب دورا في النمو، لكنه نادرا ما يكون له تبعات تطورية طويلة الأمد في الكائنات الحية الحديثة، لأن تأثيراته تنحصر في فترة حياة الكائن الحي. أما النوع الثاني من الانتخاب دون الفردي فمختلف. إذ فيه يحدث انتخاب بين الجينات في الكائن الحي الواحد. وهو يرجع إلى أنه في التكاثر الجنسي، تنتقل نصف جينات الكائن الحي فقط إلى ذريته. لذلك يمكن أن يقع نوع من المنافسة الانتخابية تجد من خلاله بعض الجينات وسائل لزيادة احتمال انتقالها على حساب جينات أخرى. مثل هذا الانتخاب على المستوى الجيني له تبعات طويلة الأمد نفصلها فيما يلي.
لكن نقطة انطلاقنا ستكون الانتخاب فوق مستوى الفرد، والمعروف بشكل عام باسم «انتخاب المجموعة». ثمة خلاف دائر حول ما إذا كان الانتخاب الطبيعي يعمل على مستوى الجماعة، ومن ثم ما إذا كانت توجد صفات تطورت لأنها تفيد المجموعات لا الأفراد. هذا السؤال هو محور جدل دائر منذ عقود في علم الأحياء، ولا تبدو أي بوادر لحله، وهو ما قد يثير الدهشة.
الإيثار والانتخاب الجماعي
في السابق، لجأ علماء الأحياء إلى مبدأ الانتخاب الجماعي للمساعدة في حل لغز الإيثار في الطبيعة. مصطلح «الإيثار» في علم الأحياء يشير إلى أي صفة أو سلوك مكلف للكائن الحي الفرد، من حيث تقليله لصلاحيته وفق المفهوم الدارويني، لكنه يفيد الكائنات الأخرى. الإيثار بهذا المعنى موجود بكثرة في الطبيعة. تأمل النحلة التي تهاجم الدخلاء على الخلية بلدغهم. لما كانت النحلة تموت إثر استخدامها إبرة اللدغ، ففعلها قطعا لا يعزز من قدرتها على البقاء؛ إنما يكون المنتفع من فعلها أقرانها في الخلية. تأمل كذلك النداء التحذيري الذي يصدره قرد الفرفت عندما يرى حيوانا مفترسا. بإطلاقه ذلك النداء، يلفت القرد الانتباه إلى نفسه، وهو ما يضعه في خطر، ولكنه ينبه رفاقه إلى وجود خطر. أو تأمل بكتيريا الزائفة الزنجارية التي تطلق في البيئة مواد كيميائية تسمى حاملات الحديد استجابة لنقص الحديد. يعد هذا فعلا يعود بالضرر على البكتيريا نفسها، ولكنه يفيد البكتيريا المحيطة بها، إذ يحرر الحديد المرتبط بالمضيف من أجل الأيض البكتيري. توجد أمثلة لا حصر لها على ذلك.
ظاهريا، يبدو الإيثار محيرا. أليست النظرية التطورية تتنبأ بتطور الصفات التي تحسن الصلاحية البيولوجية للفرد نفسه لا غيره؟ على الرغم من ذلك فأثر سمات الإيثار عكس ذلك تماما. إذ يتكبد الفرد الذي يتصرف بإيثار خسارة لا يتكبدها نظراؤه الأنانيون، وعليه ينبغي أن يحابي الانتخاب الطبيعي الأنانيين. فالقرد الذي لا يطلق نداء تحذير أو النحلة التي لا تهاجم الدخلاء أو البكتيريا التي لا تصنع حاملات الحديد سيكون لها أفضلية انتخابية على غيرها مما لا تفعل تلك الأشياء، إذ تستفيد من إحسان الآخرين دون أن تتكبد هي أي خسائر. كيف إذن يمكن للإيثار أن يتماشى مع مفاهيم التطور الأساسية؟
هنا تبرز أهمية الانتخاب الجماعي. على الرغم من أن السلوك الإيثاري مكلف بالنسبة للفرد، فإنه يحتمل أن يكون ذا فائدة على مستوى الجماعة. أي إن الجماعة التي تتكون في الغالب من أفراد مؤثرين لغيرهم يتعاونون جميعا لأجل الصالح العام، قد تتمتع بأفضلية للبقاء على جماعة من الأفراد الأنانيين الذين لا يهتم كل منهم إلا بنفسه. لذلك إذا تصورنا عملية تتنافس فيها جماعات لا أفراد، فقد نجد أن الجماعات التي تزدهر هي تلك التي تشيع فيها سمات الإيثار. باختصار، يصعب تفسير الإيثار باعتباره نتيجة للانتخاب على مستوى الأفراد، لكنه قد يحتمل أن يتطور من خلال الانتخاب على مستوى الجماعة.
من اللافت أن منطق هذه الحجة حظي باستحسان داروين نفسه. فمع أنه كان ينزع إلى فكرة الانتخاب الفردي، فإنه مر سريعا على فكرة الانتخاب الجماعي أكثر من مرة. في كتابه «أصل الإنسان» (1871) ناقش داروين فكرة كيف يحتمل أن تكون سلوكيات التضحية بالذات، التي يخاطر فيها الفرد بحياته لأجل القبيلة، قد تطورت عند البشر الأوائل. إذا نظرنا من منظور الانتخاب الفردي، فسنرى أن ذلك سلوك يفترض أن ينبذه الانتخاب. كما قال داروين، «من كان يؤثر التضحية بحياته ... على خيانة رفاقه، ففي الأغلب لن يترك ذرية ترث طبعه النبيل». ولكنه ذهب إلى أن حدوث عملية انتخاب جماعي تتنافس فيها الجماعات قد يكون هو التفسير: «إن القبيلة التي تضم أفرادا كثرا ... مستعدون دائما لأن يمدوا يد العون بعضهم لبعض وأن يضحوا بأنفسهم من أجل الصالح العام، ستنتصر على معظم القبائل الأخرى؛ وسيعد ذلك انتخابا طبيعيا». هكذا فهم داروين أن الانتخاب الطبيعي يمكن أن يحدث على أكثر من مستوى هرمي، وأن الانتخاب على مستوى الجماعة يمكن أن يفسر أشياء لا يستطيع الانتخاب الفردي أن يفسرها.
نقد الانتخاب الجماعي
Página desconocida