Pilares en la filosofía política
ركائز في فلسفة السياسة
Géneros
فأولا: تعتمد الماركسية على الزعم بالحتمية التاريخية، أي القول إن التاريخ يسير في مسار محتوم يمكن قولبته في مراحل أو أنماط أو إيقاعات - هي مع ماركس مراحل جدلية - ومن ثم يمكن التنبؤ به؛ وهذه فكرة قديمة وعتيقة، معروفة منذ أيام هيزيود وهيراقليطس وأفلاطون وفكرة اليهود عن مآل شعب الله المختار، ولم تنقطع أبدا من تاريخ الفلسفة، وظلت مستمرة حتى يومنا هذا، مع فيكو وبوسويه وكوندرسيه وهيجل وشبنجلر وتوينبي ... وغيرهم؛ وعلى الرغم من هذا ومن مرور عشرات القرون من عمر البشرية، لم نجد لها دليلا واحدا مؤيدا أو برهانا مثبتا، فضلا عن انهيار دعاوى الحتمية تحت معاول العلم المعاصر، معاول النسبية والكوانتم، فلماذا يتصور ماركس أن العلم الاجتماعي بالذات هو القادر على تحقيق حلم العهود القديمة بالكشف عما يخبئه لنا المستقبل؟ وأن يحل محل الكهنوت وإنجيل العهد القديم في التنبؤ بمسار التاريخ ومآل البشر؟ ولما كانت نبوءات ماركس لم تتحقق، كان هو إذن نبيا زائفا.
ثم إنها - أي حتمية ماركس التاريخية - جعلته يتناقض مع نفسه ومع قوله الشهير: مهمة الفيلسوف تغيير العالم لا فهمه. فإذا كان التاريخ محددا سلفا بحتمية قاطعة، فكيف يمكن التغيير؟
إن التغيير سوف يقتصر على التعجيل بمجيء المجتمع الشيوعي الآتي حتما، وليس هذا تغييرا حقيقيا؛ كل ما فعله ماركس أن وضع أمامنا بديلين؛ إما أن يبقى العالم طويلا في فوضى ونزاع وصراع، وإما أن يتحد العمال ليقيموا ثورة دموية تعجل بمجيء الشيوعية، وبالطبع ليس من المعقول أن يختار أحد الاحتمال الأول ، هذا بالإضافة إلى الوسائل الدعائية الإعلامية اللاعقلانية لدرجة تمجيد العنف الذي أحاط بها ماركس الاحتمال الثاني . لقد كان ماركس متناقضا مع نفسه بوصفه فيلسوفا عقلانيا حين مجد العنف والحرب الأهلية التي قد تؤدي إلى دمار وخراب شامل، وإلى التضحية بجيل الثورة من أجل أجيال لم تأت بعد، بل ومن أدرانا أن العنف سوف يتمخض عن صالح هذه الأجيال المقبلة؟! الأدنى إلى المعقول أن يؤدي إلى ضياع الحرية وإلى حكم لا يساير العقل، حكم الرجال الأقوياء قادة الثورة الناجحين. ثم إن قهر الطغيان بالعنف يؤدي إلى طغيان آخر، كما بينت الانقلابات التي كانت تحدث كل يوم في البلدان النامية.
ولما كانت الحتمية تلغي أي دور للإرادة الإنسانية، كانت حتمية ماركس تجعله يتناقض أيضا مع نفسه من زاوية أخرى، مع قوله الشهير: «يا عمال العالم اتحدوا!» لكي يخططوا للثورة؛ فاتحاد البروليتاريا من أهم المقدمات الأساسية التي استنبط منه حتمية مجيء الشيوعية.
غير أن الحتمية التاريخية - كما هو معلوم بعامة وكما يؤكد ماركس بخاصة - تعني أن مسار التاريخ مستقل عن إرادة الإنسان؛ فهو محكوم فقط بعلاقات الإنتاج، ولكن ليس هناك اتحاد وتخطيط من دون تدخل عنصر الإرادة الموجهة، فضلا عن أن الاتحاد يعني العقل والصحوة، والعقل المخطط المدبر؛ وإذا تذكرنا أن هذا سيأتي نتيجة لتفاقم بؤس العمال وازدياد بلاهتهم وتشويه قواهم العقلية، أدركنا كيف تناقض ماركس في تنظيره للثورة الاجتماعية.
ثم إنه رأى أن أية ثورة اجتماعية ستؤدي بالضرورة إلى الشيوعية أو بالأحرى تعجل بها، وليس هذا صحيحا، فمثلا ثورة إيران لم تؤد إلى الشيوعية.
وماركس له نظرية أخلاقية، خلاصتها أن ثمة نمطين للأخلاق، أحدهما في صالح البرجوازية يؤدي إلى حفاظ على الوضع القائم عن طريق تمجيد الملكية والتفاوت الطبقي
الطبقي وساعات العمل القليلة لمزيد من الحرية ونبذ الملكية وتراكم فائض القيمة (الأخلاق اليسارية). ويؤكد ماركس على قضية مفادها أن كل بورجوازي يعتنق القيم البرجوازية اليمينية، وكل بروليتاري يعتنق القيم البروليتارية اليسارية، وليس هذا صحيحا دائما، وماركس نفسه برجوازي لكنه يعتنق القيم الاشتراكية مثله في هذا مثل كثير من أنصار الاشتراكية نظريا وتطبيقيا. وهذا الحكم الماركسي تعميم بغير مبرر لتأثير الوضع الاجتماعي على قيم الإنسان، والإنسان ليس نتاجا لطبقته فقط كما يزعم ماركس؛ فثمة مؤثرات عديدة تشكل شخصية الإنسان وقيمه.
إن التفسيرات الماركسية دائما تعميم لجانب واحد وإغفال لبقية الجوانب؛ فكيف يتصور أن الاقتصاد هو المؤثر الوحيد على حركة التاريخ؟! والواقع أن هناك عوامل أخرى لها تأثير أقوى، كالدين الذي ظل العامل الأساسي لنشأة الحضارات وازدهارها وأفولها وقيام الإمبراطوريات وسقوطها طوال العصور الوسطى، وكالعلم وهو السبب الأساسي للثورة الصناعية التي أدت إلى بؤس العمال وأيضا إلى الاستعمار.
وكما أوضح كارل بوبر، العلاقات متداخلة بين الظروف الاقتصادية وبين المعرفة، ويستحيل أن نرجع الأولى (= الظروف الاقتصادية) ببساطة إلى الثانية (= المعرفة). وإن كان يمكن أن نرجح كفة الأولى على الثانية؛ فلو تحطمت كل وسائل الإنتاج وبالتالي انتهت علاقاته، وبقيت لدينا المعرفة، لأمكننا أن نقيم الحياة الاقتصادية ثانية. أما لو اختفت المعرفة تماما وجاءت قبيلة بدائية بكل احتياجاتها المادية والاقتصادية، فلن تستطيع أن تقيم حياة اقتصادية كتلك التي كانت في كنف معرفة متقدمة. المعرفة إذن - وليس الاقتصاد - هي العامل الأكثر حسما وهي البناء التحتي للحياة الاجتماعية.
Página desconocida