فالنفس في مذهب أفلاطون جوهر مجرد بسيط لا يقبل التجزئة ولا الانحلال، وهي قوام الحياة، وما هو حياة لا يمكن أن يعود «لاحياة» كما أن «اللاحياة» لا يمكن أن تحيي المادة الصماء.
ولكن النفس تتلبس بالمادة في معارج الترقي والتطهير، وتخلص من المادة - طورا بعد طور - لتعود إلى عنصرها الأول من الحرية والصفاء.
وبقاء النفس في مذهب «كانت» مرتبط برأيه في «القانون الأخلاقي» الذي تدين به فطرة الإنسان، ويدل على إرادة إلهية فوق إرادة الآحاد والجماعات؛ فإن الإنسان مفطور على أن يفهم الواجب، وأن يفهم أن الواجب هو العمل الذي يصلح للاقتداء به، وأنه يتخذ قاعدة عامة تطلب من جميع الناس.
وليس من المعقول أن يغرس في النفس قانون كهذا ثم يشقى من يدين به ويسعد من ينبذه ويخرج عليه، فالحكمة التي غرست هذا القانون في الطباع خليقة أن ترد الأمر إلى نصابه في حياة بعد هذه الحياة؛ لأن الجزاء العدل لا يتم كله في حظوظ هذه الحياة.
ونريد من الإشارة الموجزة إلى رأي هذين الفيلسوفين، أن يذكر الناظرون في مسألة الحياة بعد الموت أنها مسألة بحث وتفكير، وليس قصاراها أنها مسألة اعتقاد وإيمان.
فالعقل لا يخرجها من متناول بحثه، وأصحاب العلم التجريبي أنفسهم لا يملكون من أسانيدهم العلمية ما يسوغ لهم بإغلاق الباب فيها؛ لأنهم لم يحصروا قط طبيعة الحياة، ولم يثبتوا قط أنها وليدة المادة الصماء، فليس لهم أن ينقضوا ويبرءوا في طبيعة شيء ليس بالمحصور في عملهم وليس مقطوعا لديهم بأصل تكوينه وغاية مصيره.
لكن العقل نفسه يستلزم فارقا لا بد منه بين تمثيل الحقيقة للبحث والتفكير، وتمثيل هذه الحقيقة بعينها للتدين والاعتقاد.
فالحقيقة الاعتقادية لا بد أن تمتزج بتصور المؤمنين بها؛ لأن الخطاب فيها موجه إلى ملايين من البشر منهم العارف والجاهل، ومنهم الذكي والغبي، ومنهم كبير النفس وصغيرها، ورفيع الحس ووضيعه، ومنهم من يطلب الكمال ومن لا يعرف كمالا يطمح إليه.
فلا بد من توضيح الحقيقة الاعتقادية بالمحسوسات في كثير من الأحوال، وعلى هذا ينبغي أن يروض فكره كل من ينظر إلى عقيدة الحياة الأخرى في القرآن الكريم.
فالقرآن الكريم يفرض على المؤمنين عقيدة البعث والحساب، ويدعوهم إلى الإيمان بالنعيم والعذاب.
Página desconocida