وهو إله لا يستقيم الإيمان به من الوجهة الدينية، ولا من الوجهة الاجتماعية، ولا يستقيم الإيمان به من الوجهة الفلسفية على حال من الأحوال.
وإنما قصر أرسطو عمل الإله على الحركة الأولى؛ لأنه اعتقد أن واجب الوجود أشرف الموجودات، وأن أشرف الموجودات يعقل أشرف المعقولات؛ وهو ذاته، فكل تفكير فيما دون ذلك فهو تفكير لا يصح عنده في حق الإله.
فكيف اتفقت هذه الحركة الأولى التي وقف عندها عمل الإله؟ هل جاءت من الكون شوقا إلى الله؟ أو جاءت من الله تشويقا للكون إليه؟
لا يستقيم القول على كلا الرأيين؛ فإن كان الكون قادرا على التحرك فقد بطل القول بالمحرك الأول، وإن كانت الحركة من قبل الله فحركة واحدة كألف حركة، بل كجميع الحركات من أكبر الموجودات إلى أصغر الخليات.
ومع هذا لا تناقض بتة بين تفكيره في الخلق وتفكيره في أشرف الموجودات؛ لأن أشرف وجود هو الوجود الذي يليق بالإله الخالق المنعم القادر على كل شيء، ولن يكون الإله خالقا بغير خلق، ولا منعما بغير إنعام، ولا قادرا بغير تقدير.
وإذا تركنا الجانب الفلسفي، وحصرنا مسألة التكليف في حدودها الاجتماعية، فالقائلون بالمؤثرات الطبيعية أنفسهم يوجبون التكليف مع إنكارهم لوجود الله، ولا يمنعون مجازاة الإنسان بعمله إلا أن يكون «إنسانا غير مسئول عن عمله»؛ كالمجنون والمريض والمكره على الإجرام، وهم لا يخرجون بذلك عن حكم القرآن الذي يقول:
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ،
35
ويقول:
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ،
Página desconocida