Filosofía continental: Una introducción muy corta
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
ولكن، ربما يطرح سؤال: إذا ما تم تجاوز الميتافيزيقا، وإذا أحرقنا كل الكتب التي تحتوي على عبارات لا يمكن التحقق منها - على غرار ما نصحنا به هيوم - فما هو الدور المتبقي للفلسفة؟ يصر كارناب على أن ما تبقى هو أسلوب التحليل المنطقي، وفي مقال جدلي يرجع لعام 1934 ذكر أن «حلقة فيينا لا تمارس الفلسفة». ولكن لو كان كارناب محقا (وهذا أمر مستبعد)، فكيف إذن نفسر حقيقة أن الفلاسفة وغير الفلاسفة كانوا منشغلين بالمسائل الميتافيزيقية منذ آلاف السنين؟ هل يمكن أن يكون الكثير من الناس بهذه الدرجة من الغباء لفترة طويلة جدا كهذه؟ في الصفحات الختامية الرائعة من مقالته، يجيب كارناب عن هذا السؤال مستندا إلى آراء فلهلم دلتاي بالقول إن الميتافيزيقا تعبير عن شعور تجاه الحياة. في هذا الصدد، تشبه الميتافيزيقا الفن، الذي يقدم أيضا تعبيرا عن شعور أو موقف حيال الحياة. ولكن - وهنا تكمن المشكلة - الميتافيزيقا أدنى منزلة من الفن؛ لأن الشاعر أو الموسيقي لا يتصور أن كلامه أو صوره له محتوى نظري أو معرفي؛ ومن ثم، فإن الميتافيزيقا فن سيئ، والميتافيزيقيون شعراء دون قدرات شعرية، وموسيقيون دون قدرات موسيقية. والغريب أنه بالنسبة إلى كارناب، كان المفكر الوحيد الذي فهم هذه المشكلة على أفضل نحو هو نيتشه، الذي كانت أعماله إما متضمنة بعض المحتوى التجريبي، مثل تحليلاته لتاريخ الأخلاق، وإما لا تختار التعبير عن نفسها في شكل نظرية، مثل أعمال هايدجر، ولكن في شكل شعر. من الواضح أن كارناب يفكر في كتاب نيتشه «هكذا تحدث زرادشت»، الذي يسعى إلى التصدي لمشكلة العدمية الفلسفية باتخاذ أسلوب غير ميتافيزيقي، ميثولوجي، وحتى سحري. (4) لب الصراع الفلسفي الذي ما زال خفيا
يقول آرني نيس على نحو بارع: «من المعقول أن نقول إن كارناب يقرأ أعمال هايدجر تماما مثلما قد يقرأ الشيطان الكتاب المقدس.» وهذا بلا شك صحيح، ولكن كما حاولت التوضيح من قبل، لدى كارناب وحلقة فيينا أسباب مفهومة لانتقاد هايدجر؛ فالصراع بين التصور العلمي للعالم وما يراه كارناب على أنه ميتافيزيقا هايدجر، ليس مجرد خلاف نظري فحسب، ولكنه أيضا تعبير عن الصراعات الاجتماعية والسياسية التي شوهت بشدة القرن الماضي. وبقدر علمي، لم يعد كارناب قط إلى صراعه مع هايدجر في أعماله اللاحقة. ولكن ماذا قال هايدجر؟
في رأيي، ليس من خصال هايدجر أنه يميل لمعاملة منتقديه بازدراء متغطرس، متجاهلا مواجهتهم على نحو مباشر؛ ومن ثم، لا توجد سوى إشارة «واحدة» اعتراضية فقط لكارناب في أعمال هايدجر المنشورة. ومع ذلك، توجد مواجهة غير مباشرة أكثر مع التحدي الفلسفي الذي يقدمه كارناب في جميع أعماله. يميل هايدجر لتسمية هذا باسم «المنطق الرمزي» بدلا من تسميته التحليل المنطقي أو الفلسفة التحليلية. وفي رأيي، يمكن للمرء أن يتخيل نقاشا مع كارناب بين سطور أعمال هايدجر ربما يثير النقاط الأربع التالية: (1)
التحليل المنطقي هو التعبير الأكثر تطرفا عن تجربة مجسدة للغة؛ أي تحول النسيج الحي للغة اليومية إلى سلسلة تقنية شكلية من الخطوات. إن محاولة الإصلاح المنطقي للغة تخاطر بتحويلها إلى شيء لا يمكن التعرف عليه من قبل مستخدمي اللغة؛ ففي أعمال هايدجر عن اللغة بداية من خمسينيات القرن العشرين، يشجعنا على الخضوع ل «تجربة مع اللغة» لا يمكن خوضها في أي لغة فوقية أو ما ورائية شكلية. وتبعد لغة كارناب الفوقية المنطقية عن تلك التجربة كل ما يمكن للمرء أن يتصوره من البعد. (2)
إضفاء الطابع الشكلي على اللغة في التحليل المنطقي يحول اللغة إلى أداة تقنية. ووجهة النظر اللغوية التي اعتمدها التحليل المنطقي الكارنابي أطلق عليها هايدجر في خمسينيات القرن العشرين «اللغويات الفوقية أو الماورائية»، وهي وجهة نظر يربطها بآرائه في مجال التقنية؛ بمعنى أن التحليل المنطقي الكارنابي ينتمي إلى تلك اللحظة التاريخية عندما اختزلت الفلسفة إلى التفكير التقني. ويضيف هايدجر على نحو لا ينسى: «اللغة الفوقية وسبوتنيك، واللغويات الفوقية وعلم الصواريخ أمر واحد.» والتحليل المنطقي متوافق مع إرادة القوة والسيطرة على الطبيعة التي تميز عصر التقنية. (3)
من وجهة نظر هايدجر، محاولة كارناب تجاوز الميتافيزيقا ببساطة عن طريق القضاء على كلمات مثل «الكينونة» و«العدم»؛ هي تعبير عن وجهة نظر ميتافيزيقية غير متأملة للعالم . وكما ذكر سابقا، يتمثل رأي هايدجر في أن تاريخ الميتافيزيقا هو تاريخ نسيان الكينونة. والاعتقاد بأن كلمة «الكينونة» ينبغي أن تحذف من سجل المعاني يعود إلى التعبير الأكثر تطرفا لهذا النسيان؛ ولذلك، فإن تجاوز كارناب للميتافيزيقا ميتافيزيقي تماما مثل الميتافيزيقا التي يسعى إلى تجاوزها. (4)
وهكذا، فإن ثناء كارناب على نيتشه كاشف إلى حد كبير؛ فقد يدعي أحد أنصار هايدجر أن التحليل المنطقي ينتمي إلى لحظة نيتشوية في تاريخ الميتافيزيقا. ربما نتذكر أن نيتشه كتب في كتاب «أفول الأصنام»: «ولكن سيظل هرقليطس محقا دائما في ذلك؛ أن الكينونة خيال فارغ.» وهذا على الرغم من أن نيتشه كان سيرى الوضعية المنطقية مجرد تمهيد لانقلابه على الفكر الأفلاطوني.
على الأقل، هذه هي الكيفية التي يمكن للمرء من خلالها تخيل استجابة هايدجر للوضعية المنطقية. ولكن دعنا نعد إلى الذكر الوحيد لكارناب في أعمال هايدجر المنشورة؛ لأن ما يقوله يثير الدهشة بالفعل إلى حد ما. ظهر هذا الذكر في رسالة نشرت في عام 1964 كمقدمة لكتاب كتب في عشرينيات القرن العشرين، فيتحدث هايدجر ممارسا ضبط نفس شديدا عن:
لب الصراع فيما بين هذين الاتجاهين - الموقفين المتضادين الأكثر تطرفا (كارناب في مقابل هايدجر) - اللذين تميل «فلسفة» اليوم نحوهما؛ ما زال خفيا. وندعو هذين الموقفين اليوم: وجهة النظر العلموية التقنية للغة والتجربة التأملية التأويلية للغة.
والآن، أود أن أعتبر هذا الاقتباس هو تعبير هايدجر عن مشكلة الثقافتين في الفلسفة. وهذا يعني أن الفلسفة المعاصرة تتفق على أن اللغة هي العالم الذي يحدث فيه التفكير، ولكنها تختلف تماما حول أفضل السبل لفهم ووصف هذا العالم. بالنسبة إلى كارناب، هي مسألة إصلاح جوانب الغموض والتناقضات في لغة الحياة اليومية من أجل الحصول على رؤية واضحة لما يمكن وما لا يمكن أن يقال. وبالنسبة إلى هايدجر، هي مسألة الخضوع لتجربة مع اللغة حساسة لما يحدث في الحياة اليومية. (5) آراء كارناب
Página desconocida