168

La filosofía inglesa en cien años (parte uno)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Géneros

my station

وواجباته». ولوجهة النظر هذه، في أساسها، معنى يعادل معنى قاعدة تحقيق الذات، إذ إن الإنسان، الذي لا يمكن أن يكون مجرد فرد منعزل عن المجتمع ومستقل عنه، فمثل هذا الفرد تجريد لا معنى له، وإنما هو كائن اجتماعي؛ هذا الإنسان لا يستطيع أن يحقق ذاته الحقة، أو الإرادة الخيرة أو الاجتماعية التي ينبغي تمييزها من ذاته الشخصية البحتة، الباحثة عن لذاتها فحسب، إلا عندما يكون قد اهتدى إلى مركزه وواجباته، أي وظيفته داخل كل اجتماعي. وهنا يحطم برادلي أساس المذهب الفردي الأخلاقي الذي يلازم الفلسفة الأخلاقية الإنجليزية من لوك إلى سبنسر، وهو يتخلص في الوقت ذاته من الثنائية الكانتية التي تحفر هوة لا تعبر بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون. فالواجب الذي يفرضه على مركزي لا يمكن أن يكون عملية لا تنتهي يقترن فيها «الوجوب

Ought » الدائم بتكرار لا ينتهي لكلمة «ليس بعد»، وإنما ينبغي أن يتحقق هنا والآن. فمن الواجب أن يكون المثل الأخلاقي الأعلى قابلا للتحقق في المجال الزمني للوجود، وفي ذلك الرضاء الناجم عن التحقق الفعلي للواجب، وبفضل هذا القضاء على التوتر بين الوجوب وبين الوجود، يجعل برادلي للحياة الأخلاقية جوا أرق وأرحم، يقترن فيه الحب بالواجب ويعينه.

فما هي الغاية الأخلاقية إذن، إن لم تكن هي المثل الأعلى القصي الذي لا يبلغ، الذي قالت به الأخلاق الكانتية؟ إن برادلي، بقدر ما يهتدي إلى معيار السلوك الأخلاقي في المجتمع الذي يعيش فيه المرء، وفي عرفه وقوانينه ونظمه، ويرى أنه ليس من المرغوب فيه أن يسعى المرء إلى تجاوزه، بهذا القدر يكون برادلي قد تمسك بتراث بلاده، الذي يستبعد السيادة المطلقة للفرد، ويخضعه بشدة للمعايير الأخلاقية للمجتمع، ولهذا السبب نفسه يرفض برادلي أخلاق الإنسان الأرقى، ومعها أخلاق المجتمع الفاضل

Utopian

بوصفها ابتداعات ذهنية لا يمكن أن تكون لها سلطة على السلوك العملي في الحياة اليومية.

على أن برادلي ينتقل، من بعد هذه الأخلاق الفعلية الواقعية، إلى تشييد «أخلاق مثالية»، أي نظام أخلاقي من مستوى أعلى، لا تعود فيه الذات حبيسة بيئتها الاجتماعية. وهو في هذه المحاولة، التي يتخلى فيها جزئيا عن الموقف الذي بلغه من قبل، يقدم إلينا لمحة لعالم القيم لا يكون من الضروري فيه إقامة علاقة مباشرة مع البيئة الاجتماعية، وإنما الواجب أن تطلب قيمة لذاتها، شأنها شأن سعينا إلى الحق والجمال. وهكذا فإن برادلي يعترف هنا بمجال للكمال غير الاجتماعي، ومع ذلك فلا يمكن أن يحلق هذا المستوى الأعلى في الهواء فوق المستوى الأدنى، وإنما ينبغي أن تكون جذوره متأصلة في هذا الأخير وأن ينمو منه، فالأخلاق المثالية ترتكز على الأخلاق الاجتماعية. وهكذا ينسجم تفكير برادلي مع حساسية الشعب الذي ينتمي إليه، فهو يجسد فكرة «الجنتلمان» الإنجليزي، وهي فكرة لا تحتمل خروجا عن الحواجز الاجتماعية والقومية، وهو في هذه النقطة أقرب إلى هيوم بكثير منه إلى هيجل.

وإذا نظر برادلي إلى الغاية الأخلاقية على أنها شيء ينبغي تحقيقه في الواقع الحالي، فقد تجاوز ثنائية كانت بطريقة هيجلية، ولكن يتضح بعد ذلك أن هذا الموقف الرفيع ذاته إنما هو موقف تمهيدي فحسب، يلقي به برادلي بدوره في دوامة ديالكتيكة، الذي لا يتوقف عند حد؛ ذلك لأن الثنائية القديمة، التي سبق حلها، بين الوجوب والوجود، تطل برأسها من جديد عندما يتضح أن الفكرة الأخلاقية لا يمكن أبدا أن تتحقق تحققا كاملا. ففكرة الوجوب أو الإلزام تنطوي على تناقض؛ إذ إنه حيث لا يوجد نقص لا يوجد إلزام، وحيث لا يوجد إلزام لا توجد أخلاقية، ولا يمكن أن يوجد حل مباشر لهذه المشكلة القائلة بوجود تباين بين الأخلاقي، بوصفه شيئا متحققا بالفعل أو قابلا للتحقق، وبينه من حيث هو غاية مثالية مرغوب فيها. ومعنى ذلك أن من واجبنا، إذا شئنا الخلاص من هذه المشكلة، أن نترك مجال الأخلاق ونفكر قدما في مجال يعلو على الأخلاق، لا تعود فيه فكرة الإلزام حاضرة. هذا المجال الأعلى هو الدين، الذي هو تحقق الأخلاقية أو اكتمالها الرفيع، بمعنى أن الذات المثالية، التي تظل دائما، بالنسبة إلى الأخلاق، شيئا ينبغي أن تكونه، تتحقق بالفعل في الدين، هذه الأفكار تفضي إلى تلك التأملات التي لم ينتقل برادلي إليها إلا عند صياغته لمذهبه الميتافيزيقي بعد سنوات عدة.

وسوف نرى، عندما نعرض لهذا المذهب، أن الخير الذي يلحقه تناقض ذاتي لا يحق له ادعاء الواقعية بالمعنى الدقيق، وإنما ينتمي فقط إلى عالم الظواهر غير الواقعي، وعلى ذلك فحتى حين يتجاوز هذا الخير ذاته في الدين، فإنه لا يجد في ذلك إلا حلا أو تحققا تمهيديا. وفي «المطلق» وحده بوصفه الواقع الحقيقي، يصل الخير - ومعه ضده أي الشر - إلى مستقره النهائي، بعد أن يفقد طبيعته الخاصة في تحول كامل. وهكذا فإن اكتمال الأخلاق عند برادلي إنما يكون في ميتافيزيقا المطلق عنده.

ولقد أحدث برادلي، بكتابه «مبادئ المنطق» (1883)، انقلابا في المنطق يوازي ذلك الذي أحدثه في الأخلاق بكتابه «دراسات أخلاقية»؛ إذ إنه زعزع في هذا الميدان بدوره، سيطرة التجريبيين التي كانت كاملة تقريبا، وفتح باب فروع جديدة للبحث في إنجلترا. ولقد وصف وليم جيمس - وهو خصم برادلي - كتابه الأخير هذا، مثلما وصف بوزانكيت كتابه الأول، بأنه قد «غير مجرى تاريخ ذلك العلم.» وقال: «لقد فرغت لتوي من قراءة «المنطق» لبرادلي، باهتمام وحماسة لا حد لهما ... ومن المؤكد أنه من الكتب التي غيرت مجرى تاريخ الفلسفة الإنجليزية، ولزام على التجريبيين وعلى القائلين بالمعقولية الشاملة معا أن يسووا حساباتهم معه، فهو يخرج عن كل الاتجاهات التقليدية.»

Página desconocida