80

Filosofía en femenino

الفلسفة بصيغة المؤنث

Géneros

35

يستوجب قلب المعادلة من الشر الجذري إلى الشر التافه تغيير النية التي تحدث عنها كانط كأساس ذاتي لفعل الخير أو الشر، إلى النية كأساس ذاتي للتفكير؛ لأن غياب التفكير وغياب الفكر الذي لا تؤمن به التوتاليتارية (يمكن أن نسميه مع التفكيكية الاختلاف والإقرار بالتعدد وبالحوار التشاركي)، هو سبب الشر؛ ولهذا يتوجب أن نغير طريقة تفكيرنا نحو الخير دوما.

فالشر في نظر آرنت لا يعود سببه إلى الفاعل الذي تحول إلى مجرد وسيلة - آلة ميكانيكية - لتنفيذ سياسة عنصرية تقوم على الرفض وعلى معارضة الآخر ولا تعترف باقتسام الأرض مع من يستوطنها، إنه حالة غياب للاعتراف بالغير وغياب الإيمان بالتشارك مع الآخر. هذه السياسة التسلطية التي تقوم على القوة والعنف، لا يمكنها أن تؤسس لسلام ولفعل حر مبني على تفكير عقلاني لدوام الخير الأصلح للناس؛ لذا فالعنف لا ينجم عنه إلا عنف مضاد، وكان من المفروض ألا يحاكم إيخمان باعتباره مجرما قام بفعل لا أخلاقي، وإنما يتوجب الاعتراف أنه ليس مذنبا بقدر ذنب النظام السياسي النازي الذي يمثله، وهكذا كان يكفي أن يعترف أنه ارتكب جرما في حق الإنسانية وأنه يتوجب أن يحاكم بقانون آخر غير القانون الذي صار هو نفسه منبع الشر. (5) خامسا: الصفح بما هو حل لمشكلة الشر

تصر آرنت على أهمية الفعل وعلى القدرة التي تميز الإنسان بما هو كائن فاعل ومبدع وسياسي في الآن ذاته، فعلى الرغم من التصحر الذي يميز العصر الحديث بعد أن غزته الأنظمة التوتاليتارية، فإن للسياسة معنى: معنى السياسة هو الحرية،

36

ومهما حاول الفكر الفلسفي القديم والحديث على حد سواء أن يضع حدا فاصلا بين «الحياة التأملية» أو «حياة الفكر»، وبين «حياة الفعل» أو «الحياة النشيطة»، فإن ماهية الإنسان الحديث هو الفعل السياسي، ونحن لا نستطيع أن نحيا إلا بموجب هذه الماهية؛ لأن أزمة العالم الحديث - إلى جانب مسئولية التقنية والعقل الأداتي - تتمثل في انتشار العنف واستعمال القوة في كل مكان، إلى الحد الذي أصبح معه هذا العالم مجرد صحراء تزحف رمالها يوما عن يوم، ولكن رغم ذلك (تقول آرنت) فلا تزال وسط الصحراء واحات تقاوم، وستظل تقاوم شبح التصحر. لا يمكن للوحة القاتمة التي ترسمها آرنت أن تكون عائقا أمام البحث وراء المعاني التي تحددها هنا وهناك، فثمة بين نصوص آرنت العديدة شذرات أمل من أجل الرقي بالوضع البشري نحو الأفضل، فرغم أن العصر الحديث هو عصر العنف (ونحن نحوم في مجال يحيط به العنف من كل الجوانب) الذي عممته الثورات من جهة، والأنظمة الكليانية

37

من جهة أخرى، فإن من سمات الإنسان الحديث أنه يوجد بمعية الآخرين داخل العالم، وهو الأمر الذي جعلها تقترح لمواجهة الشر إمكانية الصفح، «إذ تتيح ملكة الصفح محو أفعال الماضي الذي تعلق أخطاؤه»

38

والحوار والإيمان بالتعدد والمغايرة، فالصفح وحده قادر على معرفة الذات والتقرب إلى الغير، وهي القيم التي لم تعد مقبولة في عالم التوتاليتارية، حيث الانتقام والجشع والانطواء على الذات هي ما يميز إنسان المجتمع التوتاليتاري؛ لذلك تقول: «يعتبر الصفح بحق نقيض الانتقام، الذي يتحدد فعله كرد فعل ضد عثرة أصلية من هنا، وبعيدا عن التمكن من وضع حد للآثار المترتبة على الخطأ الأول، يقوم بربط الناس بالسيرورة وترك رد الفعل المتسلسل، المتسمة أعماله بالضخامة، يواصل سيره بكامل الحرية ... إن الصفح، بعبارة أخرى، هو رد الفعل الوحيد الذي لا يقتصر على إعادة إنتاج الفعل، ولكنه يمارس فعله بطريقة جديدة ولا متوقعة، وغير مشروطة بالفعل الذي أنتجها، وهي التي تحرر بالتالي الصافح والمفصح عنه ...»

Página desconocida