لما فيه من معنى الاستدارة، لأن الفلاكة بمعنى عدم الحظ ليست من معنى الاستدارة في شيء ولا على المجاز، على معنى أن عدم الحظ لما استلزم الحركة والاضطراب والجولان كان إطلاقها وإرادته من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لأن اللزم لعدم الحظ هو مطلق الحركة والاضطراب لا لحركة المقيدة بالاستدارة، وأما المعنى فإن اشتقاقه من الفلك على معنى أن الفلك يعارضه في مراده ويدافعه عنه غير مستقيم، لما تقرر في الكتب الكلامية أن الله تعالى هو خالق كل شيء.
فالجواب عن الأول أن اشتقاق المفلوك من الفلكغير ممتنع، فقد قالوا (رأسته) بمعنى ضربت رأسه، و(رأيته) بمعنى أصبت رئته، وابلغ من ذلك اشتقاقهم من الحروف كما في اشتقاق (احاشي) من الحاشا الحرفية الاستثنائية في أحد التخريجين في قول من قال:
(ولا أحاشي من الأقوام من أحد)
وأبلغ من ذلك اشتقاقهم من لفظ الجملة كالحوقلة والبسملة والهيللة وعن الثاني أن ذلك من قبيل المجاز العقلي، وهو نسبة الشيء إلى زمانه مجازًا تشبيهًا للتلبس الغير الفاعل بالتلبس الفاعلي، ويشهد لذلك ما قاله العلماء في قوله ﷺ، (الشؤم في ثلاثة أو أن يكن الشؤم ففي المرأة والدار والفرس) على اختلاف
الروايتين جزما وتعليقا من أن ذلك على المجاز والاتساع، أي قد يحصل الشؤم مقارنًا لها وعندها لا أنها هي في أنفسها مما توجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قضى الله تعالى أن يمت فيها خلقًا من عباده، كما يقدر ذلك في البلد بالطاعون والوباء، فيضاف ذلك إلى المكان مجازًا، والله خلقه عنده وقدره.
فقد صح بهذا التقرير جواز أخذ المفلوك من الفلك، على معنى إنه الذي يعارضه الفلك في مراده على جهة التجوز. ولو سلم أن السعود والنحوس لا تدور مع حركات الأفلاك دائمًا لم يكن ذلك قادحًا في صحة التجوز، لأن إضافة الفعل إلى زمانه مجازًا لا تحتاج إلى كون القضية دائمة، كما في قولهم (نهاره صائم وليله قائم) وأمثاله مما لا يحصى.
على أنا نقول: اللغة اصطلاحية على قول، والألفاظ العلمية التي يدير عليها أهل كل علم - كالرفع والنصب للنحاة مثلا - اصطلاحية إجماعًا ووفاقا. ووجه اختيار لفظ الفلاكة على الفاقة والإملاق والفقر ونحوها أن هذه الألفاظ الثلاثة ونحوها نص صريح في مدلولها، بخلاف لفظة الفلاكة والمفلوك، فإنه يتولد منهما بمعونة القرائن معان لائقة بالمقامات على كثرتها وتفاوتها.
1 / 4