فعلموا مكانه وانطلق إليه الرجل جماعة فوجدوه نائمًا في ظلّ أراكةٍ وفرسه مشدودٌ عنده. فنزل إليه الرجل ومعه آخر، فأخذ كل واحد منهما بإحدى يديه فانتبه فزِعًا. فنزع يده من ممسكها وقبض على حلق الآخر فقتله، وبادر الباقون إليه فأخذوه وشدّوه وثاقًا. فقال لهم ابن المقتول، وهو حَوْذةَ بن عِتْرِم: دعوني أقتله كما قتل أبي. قالوا: حتى نأتي حارثة. فأبى. فقالوا: والله لئن قتلته لنقتلنّك به. وأتوا به حارثة بن لأْم فقال له حارثة: يا كَلْحب إنْ كنت أسيرًا فطالما أَسَرت. فقال كلحب: من ير يومًا يُرَ به. فأرسلها مثلًا. فقال حوذة لحارثة: أعطني أقتله بأبي. فقال دونَكَه. وجعلوا يتكلمون وهو يعالج كتافه حتى انحلّ، ثم وثب على رجليه يحاضرهم وتواثبوا على الخيل واتّبعوه فأعجزهم. فقال حَوْذة في ذلك:
إلَى اللهِ أشكو أَنْ أَؤُوبَ وقد ثَوَى ... قتيلًا وأَوْدَى سيَّدُ الْقَوم عِتْرِمُ
فماتَ ضَيَاعًا هكذا بِيَدِ امرِئٍ ... لَئِيمٍ فَلَوْلا قِيلَ ذو الوِتْرِ مُعْلَمُ
فبلغ ذلك كَلحبًا فقال:
أَحَوْذَةَ إِنْ تَفْخَرْ وتزعُمْ بأَنَّني ... لَئِيمٌ فمِنِّي عِتْرِمُ أَلأَمُ
فأُقْسِمْ بالبيْت المحرّم مِنْ مِنىً ... أَلِيَّةَ بَرٍّ صادقٍ حين يُقسِمُ
لَضَبٌّ بِقَاعِ الأَرْضِ حَلْفَةَ مُقْسِمٍ ... صَدُوقٍ ويَرْبُوع الفلا مِنْكَ أَكْرِمُ
تواعِدُني بالمنكرات وإَنَّنِي ... صَبُور على ما نابَ جَلْدٌ عَرَمْرَمُ