ولكن بتوغل الليل وتماديه فتر الحماس وتراجع الأمل، وغلب الظن بأننا لم نحسن فهم المكالمة التليفونية. ولم ندر ماذا نفعل ولا ماذا نقول. وانسحبت الفتيات بهدوء إلى الداخل، وشغلن التليفزيون. وما لبث الأبناء أن غادرونا، فذهب أولهم إلى النادي، والثاني إلى المسرح، والثالث إلى ملهى في الهرم. وتبادلت مع الأم نظرة مثقلة بالخجل وخيبة الرجاء.
وآوينا إلى حجرتنا، وأنا أقول : يلزمنا حبة من الحبوب المنومة!
وجمعتنا سفرة الإفطار في ضحى اليوم التالي، تجنبنا الإشارة إلى مأساة الأمس، ورن جرس التليفون فقامت الأم إليه، ثم رجعت في غاية من الانفعال والاضطراب وهي تصيح: وا خجلتاه!
وحدجناها بنظرة متسائلة، فقالت بنبرة باكية: سكرتير السيد، قال: إن سيادته جاء في ميعاده، فوجد البيت نائما فرجع، أردت أن أشرح له ما حدث، ولكنه كان قد أغلق السكة.
هتفت بصوت كالأنين: يا للعار!
فقال ابني: لا ملامة علينا، أكان يجب أن ننتظر حتى الصباح؟!
فرجعت أقول بأسى: يا للعار! - ولكنا فعلنا الواجب وزيادة.
فقلت وقلبي يتقطع من الحزن: بل لم نصبر بما فيه الكفاية.
وأخذت الأم تنشج باكية، فقلت معزيا: لا جدوى من البكاء، ثم إنني ألمس في اتصاله الجديد بنا توبيخا لا يخلو من العناية.
فتساءلت ابنتي: هل يمكن أن يقرر الزيارة من جديد؟
Página desconocida