وتدخل الأب والأخوات، وخسرت كالعادة القضية. وما جدوى الكلام؟ وما جدوى الخصام والشباب يتلاشى مع الأمل؟! بل ها هي تشهد مأساة من نوع جديد، فقد تقدم شاب لطلب يد درية كبرى الأخوات وفشلت الخطوبة؛ لعدم إمكان الحصول على شقة! وليلتها دار نقاش طويل أسيف في الأسرة عن تكاليف الزواج، أدركت نعيمة بعده أن أخواتها لسن أسعد حظا منها إلا قليلا. حقا لقد تغيرت الدنيا، وها هي تمارس عقوباتها على من يستحقها ومن لا يستحقها! ورجعت ذات صباح من أيام الشتاء الأخيرة من السوق في جلبابها الكستور متلفعة بشال رمادي، ويدها قابضة على سلة الخضار، فوقفت كالعادة تتبادل كلمتين مع زوجة البواب. وإذا بالمرأة تقول: عيني عليك، خادمة بلا أجر!
فقطبت دون ارتياح وفي شيء من الكبرياء فقالت المرأة: أصبحت أكره أسرتك من أجل عيونك!
فتمتمت نعيمة: ربنا موجود.
فتساءلت المرأة بإغراء: ألديك فكرة عن مرتب الخادمة اليوم؟
ما زالت تعتبر نفسها - على الأقل أمام الآخرين - فتاة كريمة من أسرة! - وهل المرتب هو كل شيء؟ - طبعا، لا تكوني عدوة لنفسك.
لم تنم ليلتها من الفكر، ولم يكن المرتب هو الإغراء الوحيد، ولكن التحرير أيضا من سطوة تفيدة وضعف أبيها وأنانية أخواتها. ولم ينقطع الحوار بينها وبين زوجة البواب. رفضت فكرة العمل في شقة مفروشة قائلة بإباء: إني بنت محترمة.
فقالت المرأة: وعندي أسر محترمة أيضا!
وغادرت نعيمة البيت فلم تعد. اشتغلت في أسرة بمدينة المهندسين بمائة جنيه، وتحسنت أحوالها في الملبس والصحة. وفي مجرى عامين تزوجت من كهربائي مناسب جدا. ووجدت من نفسها رغبة في زيارة أسرتها؛ ليعلم زوجها أنها بنت ناس من ناحية، وليعلم أهلها أي مصير حسن انتهت إليه بعد التحرر من ربقتهم.
وكان يوما من أسعد أيامها يوم رجعت إلى مسكنها القديم بوجهها الجديد وزيها الجميل بصحبة الزوج السعيد.
رجل
Página desconocida