توفي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولم يتعد الإسلام جزيرة العرب، وكان قد بدأ بدعوة الأمم المجاورة ومناوشتها، ثم تتابعت الفتوح بعد، ففتح العراق وكان يسكنه بعض قبائل عربية من ربيعة ومضر، وبعض من الفرس - عدا سكان البلاد الأصليين - كان منهم نصارى، ومنهم مزدكية وزرادشتية، وأنشأ العرب مدينتي البصرة والكوفة، أمر عمر بن الخطاب بإنشائهما «لما رأى أن مناخ المدائن والقادسية لم يوافق مزاج العرب، فأمر أن يرتاد موضع لا يفصله عن جزيرة العرب بر ولا بحر»؛ وكان الغرض منهما أن يكونا معسكرين يشم العرب منهما هواء الصحراء، ويتجنبون بهما وخم المدن، فأنشئت البصرة نحو سنة 15ه، والكوفة سنة 17ه/سنة 638م.
وفتحت فارس، وكان يسكنها الفرس، وقليل من اليهود، وبعض الروم «الرومانيين» الذين أسروا في الحرب الفارسية الرومانية.
وفتح الشام، وكان - قديما - قد تداولت عليه الأمم المختلفة والمدنيات المختلفة من فينيقيين وأموريين وكنعانيين، وغزاه فراعنة مصر واليونان والرومان وعرب غسان، وأخيرا كان إقليما رومانيا يتثقف بثقافة الرومانيين ويتدين بالنصرانية دينهم، ففتحه الإسلام، وقد ورث كثيرا من مدنيات الأمم الغابرة.
وكان يسكن هذه البلاد عند الفتح السوريون - أهل البلاد - والأرمن واليهود، وبعض من (الروم) الرومان، وبعض قبائل عربية، وكان من أشهر هذه القبائل: «غسان، ولخم، وجذام، وكلب، وقضاعة، وطائفة من تغلب، وكانوا في القسم الجنوبي من الشام أكثر منهم في القسم الشمالي، بحكم الجوار لبلادهم، وكان هؤلاء العرب يتكلمون لغة هي مزيج من الآرامية والعربية، وكانوا يعدون أنفسهم شاميين، لا تربطهم بعرب الحجاز إلا العلاقات التجارية، وقد وقفوا بجانب الرومان في محاربة المسلمين عند الفتح»
1 .
وفتحت مصر مهد المدنية القديمة، والوارثة لحضارة قدماء المصريين واليونان والرومان، وبها الإسكندرية مجمع المذاهب الفلسفية والطوائف الدينية، وملتقى الآراء الشرقية والغربية؛ وكان يسكنها المصريون ومزيج من أمم أخرى كاليهود والرومان، وفتحت بلاد المغرب من برقة وتونس والجزائر ومراكش إلى مضيق جبل طارق، وكانت كذلك في يد الرومان.
وفي عهد الوليد بن عبد الملك فتحت السند وبخارى وخوارزم وسمرقند إلى كاشغر، وفتحت كذلك الأندلس، ولكن لم يظهر أثر فتحها في عصرنا الذي اخترناه لبحثنا.
سبب فتح العرب لهذه الممالك عملية مزج قوية بين الأمة الفاتحة والأمم المفتوحة: مزج في الدم ومزج في النظم الاجتماعية، ومزج الآراء العقلية، ومزج في العقائد الدينية، وقد عمل على هذا المزج جملة أمور أهمها: (1)
تعاليم الإسلام في الفتح. (2)
Página desconocida