والعرب حقا أجادوا في هذا النوع من الأدب، وخلفوا لنا ما يدل على عقليتهم أكثر مما يدلنا الشعر والقصص، ويظهر أن سبب ذلك أنه يوافق مزاجهم العقلي، وهو النظر الجزئي الموضعي لا الكلي الشامل؛ لأن المثل لا يستدعي إحاطة بالعالم وشئونه، ولا يتطلب خيالا واسعا، ولا بحثا عميقا، إنما يتطلب تجربة محلية في شأن من شئون الحياة.
تدلنا الأمثال على حياة الغرب الاجتماعية التي أجملناها من قبل، فنظرة إلى مجموعة الأمثال التي قيلت في المرأة، تدل على انحطاط منزلتها في نظرهم؛ والتي قيلت في الحياة الاقتصادية، تدل على فقر البلاد وإجدابها، ويطول بنا القول لو عرضنا لك كل الأمثال التي قيلت في كل باب وما يستنتج منها، ولكنا نحيلك في ذلك على أمثال الميداني، وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، وأمثال المفضل الضبي، بعد أن أبنا لك وجهة نظرنا في كيفية بحثها.
وهناك نوعان آخران يلحقان بالأمثال، ولها قيمة كبيرة في الدلالة على الحياة العقلية؛ ولكن يظهر أن المؤلفين لم يعنوا بهما العناية الكافية فلم يجمعوهما ويرتبوهما كما فعلوا في الأمثال، إنما تراهما منثورين مبعثرين في الكتب، وهما: (الأول):
الأحاجي أو الألغاز، كالذي زعموا أنه اجتمع يوما عبيد بن الأبرص وامرؤ القيس، فقال له عبيد: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال: قل ما شئت تجدني كما أحببت، قال عبيد:
ما حية ميتة قامت بميتتها
درداء ما أنبتت نابا وأضراسا؟
فقال امرؤ القيس:
تلك الشعيرة تسقى في سنابلها
قد أخرجت بعد طول المكث أكداسا
فقال عبيد:
Página desconocida