اليهودية والنصرانية:
من عوامل نشر الثقافة الأجنبية في جزيرة العرب انتشار اليهودية والنصرانية.
اليهودية:
انتشرت اليهودية في جزيرة العرب قبل الإسلام بقرون، وتكونت فيها مستعمرات يهودية، وأشهرها يثرب، وهي التي سميت بعد بالمدينة، ولكن من هم هؤلاء اليهود في جزيرة العرب؟ هل هم من عنصر يهودي أم هم عرب تهودوا؟ وإذا كان الأول فمن أين أتوا: هل أتوا من فلسطين أو من غيرها؟ اضطربت الأخبار في ذلك، ويظهر أن الصنفين كانا موجودين في الجزيرة، يهود نزحوا وعرب تهودوا، فياقوت في معجمه يذكر أن يهود يثرب عرب تهودوا، ويقول صاحب الأغاني: «إنه لما ظهرت الروم على بني إسرائيل جميعا في الشام فوطئوهم وقتلوهم ونكحوا نساءهم خرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو بهدل هاربين منهم إلى من بالحجاز لما غلبتهم الروم على الشام»، وليس هنا موضع تحقيق ذلك.
وعلى كل حال فقد كان في القرون الأولى للميلاد مستعمرات يهودية: في تيماء ، وفي فدك، وفي خيبر، وفي وادي القرى، وفي يثرب وهي أهمها، وكان يهود يثرب ثلاث قبائل: بني النضير، وبني قينقاع، وبني قريظة.
وقد اشتهر اليهود في جزيرة العرب حيث حلوا بمهارتهم في الزراعة كما اشتهروا في يثرب أيضا بصناعاتهم المعدنية كالحدادة والصياغة وصنع الأسلحة.
وقد كان بيثرب قبيلتا الأوس والخزرج نزحتا إليها من اليمن - كما يذكر النسابون - حوالي سنة 300م بعد أن سبقهم اليهود إلى استعمارها، وكانت العلاقة بين اليهود والأوس والخزرج حسنة في أول الأمر، ثم ساءت قبل الهجرة لأسباب يختلف الباحثون فيها.
كذلك عمل اليهود على نشر ديانتهم جنوبي الجزيرة، حتى تهود كثير من قبائل اليمن، ومن أشهر هؤلاء المتهودين ذو نواس، وقد اشتهر بتحمسه لليهودية، واضطهاده لنصارى نجران، وذكروا في سبب ذلك أن يهوديا كان بنجران عدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما، فرفع أمره إلى ذي نواس وتوسل إليه باليهودية، واستنصره على أهل نجران وهم نصارى فحمى له ولدينه وغزاهم
10 .
ويظن بعض المؤرخين أن حركة ذي نواس هذه كانت حركة وطنية، ذلك أن نصارى نجران كانوا على ولاء مع الحبشة، وكانت الحبشة تعد حامية النصرانية في نجران، وقد اتخذت النصرانية وسيلة للتدخل في شئون اليمن، فأراد ذو نواس وقومه محو هذا النفوذ الحبشي؛ ولذلك لما قتل ذو نواس نصارى نجران استنجد بقيتهم بالحبشة فأنجدوهم، وكانت بينهم حروب، وكان عام الفيل مما لا محل لذكره هنا.
Página desconocida